للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ؛ فَإِنَّهُمْ رَجَّحُوا حَدِيثَ أَنَسٍ بِأَنْ قَالُوا: إِنَّ هَذَا الحَدِيثَ قَدِ اضْطَرَبَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ فِيهِ فِيمَنْ كَانَ الإِمَامَ؛ هَلْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَوْ أَبُو بَكْرٍ؟ (١)، وَأَمَّا مَالِكٌ: فَلَيْسَ لَهُ مُسْتَنَدٌ مِنَ السَّمَاعِ (٢)؛ لِأَنَّ كِلَا الحَدِيثَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى جَوَازِ إِمَامَةِ القَاعِدِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي قِيَامِ المَأْمُومِ أَوْ قُعُودِهِ (٣)، حَتَّى إِنَّهُ لَقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّاسَ صَلَّوْا لَا قِيَامًا وَلَا قُعُودًا،


= والثاني: منع ذلك؛ تعلقًا بقوله -عليه السلام-: "لا يَؤُمَّنَّ أحدٌ بعدي جالسًا"، وظاهر هذا الحديث (وهو حديث إمامة النبي الناس جالسًا): أن فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا كان في الفريضة، ويدل عليه قوله: "فحضرت الصلاة"، وهذا يفهم منه المعهودة، وهي الفريضة. قيل: نُسخت صلاةُ الإمام قاعدًا بالناس قعودًا بصلاته قاعدًا وهم قيامٌ، في حديث إمامة أبي بكرٍ". انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (٢/ ٣١١، ٣١٢).
(١) قال المازري: "وصلاتُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- في مرضه الذي تُوفَي فيه اضطرب الرواة فيه؛ هل بقي أبو بكرٍ على الإمامة، أو خَرَج عنها وائتمَّ بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هو وسائر الناس؟ وقد رُجحت رواية مَنْ قال: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان هو الإِمام بكونه عن يسار أبي بكر، وهذا يَقْتضي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان هو الإِمام.
وأُجِيبَ عن هذا: بأن الرُّتبة هاهنا خرجت عن المألوف، لأن أبا بكرٍ لم يَرْجع إلى صفِّ الناس ويكون معهم، كما تَقْتضيه المرتبة المألوفة.
وقد تأوَّل بعض الناس من أصحابنا ما خرَّجه مسلم عن عائشة: "أنَّ أبا بكر صلى قائمًا يقتدي بصلاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على أن المراد به: أنه ينتظر تمكُنه من الركوع والسجود، كما أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقتدي الإِمام بصلاة أضعف القوم"". انظر: "شرح التلقين" (١/ ٦٧٤، ٦٧٥)، و"إكمال المعلم بفوائد مسلم" (٢/ ٣١٢، ٣١٣).
(٢) أي: على عدم جواز إمامة القاعد.
(٣) يقصد أن حديث أنس وحديث عائشة اتفقا على جواز إمامة القاعد إلا أنهما اختلفا في جواز إمامة القاعد للقائم، فقَوْل مالك: "لا تجوز صلاة القاعد" ليس عليه دليلٌ من السماع إلا موافقته لعمل أهل المدينة.
قال الفاكهاني: "والظاهر: أنه لَيْسَ لأصحابنا في ذلك حُجَّة إلا ما قاله ابن القاسم من أن عمل أهل المدينة على ذلك، أَعْني: عدم الائتمام بالقاعد". انظر: "رياض الأفهام" (٢/ ١٢١، ١٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>