العجيب أننا لو قرأنا في كتب الشافعية لوجدنا أن حديث المغيرة هو عمدتهم بعد الآية، فقد أقاموه مقياسًا، وردوا من أجله كلَّ الأحاديث الصحيحة الواردة، كحديث بلال الذي أوردنا، وحديث عمرو بن أمية في البخاري، وحديث ثوبان الذي في (سنن أبي داود)، وحديث بلال الآخر الذي في السنن. هم يردونها لهذا الحديث، بمعنى: أنه سقط منها المسح على الناصية. مما يقوي القوله بأن المؤلف -رحمه الله - لم يستوعب هذه المسألة ولم يبحثها بحثًا دقيقًا.
وكثيرٌ منهم يرى - خصوصًا الشافعية والمالكية - بروايتهم الأُخرى، أن الكتاب لا يُعارض، بل يجب أنه يلتقي معه، لأن الكتاب قال:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}[المائدة: ٦]، وقالوا: الباء للتبعيض، وأن الواجب هو مسح بعض الرأس، وهذا فيه مسح لبعض الرأس وهي الناصية، فكان هذا هو وجه الجمع الذي صاروا إليه ورفعوا به التعارض.
أما مذهب مالك ففيه تفصيل في هذه المسألة؛ فالمالكية يعتبرون إجماع أهل المدينة، وهو رأي انفردوا به، ويرون أن الحديث لم يشتهر العمل به، وأنه كان يُمسح على الرأس عند أهل المدينة دون العمامة، ولذلك توقفوا في هذه المسألة.
فيقال ردًّا: لماذا لا يكون مشهورًا وقد نُقل عن أبي بكرٍ، وعمر،
(١) يُنظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ١٠١)؛ حيث قال: "وكأنه - رضي الله عنه - كان بعيدًا منه، فظنَّ أنه مَسَح على العمامة".