للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا البَابِ، مِثْلَ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ تُقَامُ جُمُعَتَانِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ لَا تُقَامُ؟).

هذه مسألة في نظري من المسائل الكبرى، وما كان ينبغي للمؤلف أن يذكرها عَرَضًا؛ لأنَّه التزم بأنَّه سيذكر أمهات المسائل وقواعدها، وهذه قضية مهمة جدًّا، هل يجوز تعدد الجمعة، أم لا؟ لأنَّ مَن لا يرى تعددها لا يرى صحة الجمعة في غير المسجد الجامع الذي يقيمه الإمام أو من يُنيبه، ومَن يرى ذلك يرى جوازه، ومعلوم أنَّ الأحوال قد تغيرت، وأنَّ الأمور قد تبدلت، ففرق بين الزمن الذي كان فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وبين زماننا هذا وما قبله، فإنَّ المسلمين -بحمد اللَّه- قد كثروا، وبلاد المسلمين قد اتسعت، ومدنهم -أيضًا- قد تمددت، وكثر فيها عدد السكان، فهل نبقي الحال على ما كان في زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو ما كان في زمن الخلفاء الرَّاشدين، أو بعدهم، وحتى في زمن الأئمة، بل لو دققنا النظر في هذه المسألة لوجدنا أنَّ آخر الأئمة وهو الإِمَامِ أحمد يختلف عن بقية الأئمة، فهو قد وَسَّع في تعدد الجمعة، وإن كان وَضعَ قيدًا، ومن العلماء من رأى التعدد، إذًا هذه قضية مهمة جدًّا، والعلماء قد اختلفوا فيها:


= الأشعري فصلى بالناس الجمعة، ولأنه صلاة فلم يكن من شرط إقامتها الإمام كسائر الصلوات، ولأنها عبادة على البدل كالحج".
وانظر في مذهب الشافعية: "الحاوي الكبير"، للماوردي (٢/ ٤٤٦)، وفيه قال: "قال الشافعي رحمه اللَّه تعالى: "والجمعة خلف كل إمام صلاها من أمير ومأمور ومُتغلب على بلد وغير أمير جائزة، وخلف عبد ومسافر كما تجزئ الصلاة في غيرها". قال الماوردي: وهذا كما قال. صلاة الجمعة لا تفتقر إلى حضور السلطان، ومَن أداها من المسلمين بشرائطها انعقدت به".
وفي مذهب الحنابلة روايتان المشهور؛ منها: أنه لا يُشترط إذنه.
انظر: "الكافي"، لابن قدامة (١/ ٣٣٠)، وفيه قال: "ولا يشترط للجمعة إذنُ الإمام؛ لأن عليًّا -رضي اللَّه عنه- صَلّى بالناس، وعثمان -رضي اللَّه عنه- محصور، ولأنها من فرائض الأعيان، فلم يعتبر لها إذن الإمام؛ كالظهر. قال أحمد: وقعت الفتنة بالشام تسع سنين، فكانوا يجمعون لكن إن أمكن استئذانه فهو أكمل وأفضل، وعنه: أنه شرط؛ لأنه لا يقيمها في كل عصر إلا الأئمة". وانظر: "شرح منتهى الإرادات"، للبهوتي (١/ ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>