للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقْوَى مِنَ الثَّانِي، فَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الحُكْمُ فِيهِ لِلْخُصُوصِ القَوِيِّ، وَهَذَا كلُّهُ إِذَا تَسَاوَتِ الأَوَامِرُ فِيهَا فِي مَفْهُومِ التَّأْكِيدِ، فَإِنِ اخْتَلَفَتْ حَدَثَتْ مِنْ ذَلِكَ تَرَاكِيبُ مُخْتَلِفَةٌ، وَوَجَبَتِ المُقَايَسَةُ أَيْضًا بَيْنَ قُوَّةِ الأَلْفَاظِ وَقُوَّةِ الأَوَامِرِ، وَلِعُسْرِ انْضِبَاطِ هَذِهِ الأَشْيَاءِ قِيلَ: إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَوْ أَقَلُّ ذَلِكَ غَيْرُ مَأْثُومٍ).

قضية أنَّ كُلَّ مجتهد مصيبٌ محلُّ خلاف بين العلماء (١)، ونذكر أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة" (٢). وقد اختلف الصحابة الذين قاموا بتلك المهمة؛ فمنهم من فَهِم من ذلك الإسراع، ومنهم من وقف عند النص فلم يصَلِّ إلا في بني قريظة، ولم ينكر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- على أحد من المجتهدين، وهي مسألة أصولية خلافية معروفة.

والأمر عندنا واضحٌ في هذه المسألة؛ فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب، فقد لغوت" (٣). وفي حديث


(١) وهو مذهب الأحناف، وقالت به المعتزلة وبعض الأشاعرة.
انظر: "العدة في أصول الفقه"، لأبي يعلى الفراء (٥/ ١٥٤٨، ١٥٤٩)، وفيه قال: "وقال أبو الحسن الكرخي -فيما حكاه أبو سفيان السرخسي عنه-: مذهب أصحابنا جميعًا: أن كل مجتهد مصيب لما كلف من حكم اللَّه تعالى، والحق في واحد من أقاويل المجتهدين. قال: ومعنى ذلك أن الأشبه واحد عند اللَّه تعالى إلا أن المجتهد لم يكلف إصابته. وذهبت المعتزلة: إلى أن كل مجتهد مصيب. واختلفت الأشعرية".
وقيل: هو ظاهر مذهب المالكية أيضًا وقول عند الشافعية ذكر ذلك الخطيب البغدادي، وذكر أدلة الفريقين. انظر: "الفقيه والمتفقه" (٢/ ١١٤ - ١٢٧).
(٢) أخرجه البخاري (٩٤٦)، عن ابن عمر، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لنا لما رجع من الأحزاب: "لا يصلين أحدٌ العصر إلا في بني قريظة"، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك، فذكر للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يعنف واحدًا منهم.
وأخرجه مسلم (١٧٧٠/ ٦٩) ولكن بدل "العصر" "الظهر".
(٣) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>