للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه من الأدلة التي استدلَّ بها جمهور العلماء على أن هذه الأحاديث المنصرمة إنما هي لتأكيد الغسل (١)؛ لأن الناس كانوا عُمَّال أنفسهم؛ (أي: كانوا يؤدون المهن بأنفسهم) فمنهم مَن يعلو النخل ثم ينزل فيلتصق به التراب والطين، ومنهم مَن يشتغل بالجزارة والحدادة، وغير ذلك.

فالذي يشتغل بأعمال الطين والبناء يلصق به التراب والطين، وكذلك الذي يشتغل في المزارع كم يعلق به من الرائحة السيئة! وكذلك الجزار، وغير هؤلاء؛ لذلك نجد أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن أكل ثومًا أو بصلًا -فليعتزلنا- أو ليعتزل مصلانا" (٢)؛ لأن الناس يتأذون من الروائح الكريهة، وكذلك الملائكة تتأذى منها (٣)؛ لأنه إذا دخل الإمام طُوِيت الصحف، وجلس الملائكة يستمعون الذكر (٤)، إذًا في هذه الروائح تأذٍّ للمصلين


= وأخرجه البخاري (٩٠٣)، عن يحيى بن سعيد: أنه سأل عمرة عن الغسل يوم الجمعة، فقالت: قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-: "كان الناس مهنة أنفسهم، وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة، راحوا في هيئتهم فقيل لهم: لو اغتسلتم".
وأخرجه مسلم (٨٤٧)، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، أنها قالت: كان الناس أهل عمل، ولم يكن لهم كفاة، فكانوا يكون لهم تفل، فقيل لهم: "لو اغتسلتم يوم الجمعة".
(١) انظر: "الإشراف على نكت مسائل الخلاف"، للقاضي عبد الوهاب (١/ ١٨٥)، وفيه قال: "غسل الجمعة سنة مؤكدة. خلافًا لمن ذهب إلى وجوبه. لقوله عليه السلام: "مَن جاء إلى الجمعة فتوضأ فبها ونعمت، ومَن اغتسل فالغسل أفضل"، ولأنه غسل لأمر مستقبل كالإحرام، ولأنه غسل ليوم عيد فأشبه غسل العيد، ولأنه مقصود به التنظيف وإزالة الرائحة فأشبه التطيب".
(٢) أخرج البخاري (٧٣٥٩)، ومسلم (٥٦٤/ ٧٣)، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته".
(٣) أخرجه مسلم (٥٦٤/ ٧٤)، عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "من أكل من هذه البقلة، الثوم، وقال مرة: من أكلَ البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".
(٤) أخرجه البخاري (٣٢١١)، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا كان يوم الجمعة، كان على كلِّ باب من أبواب المسجد الملائكة، يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاؤوا يستمعون الذكر".

<<  <  ج: ص:  >  >>