للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذن "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة" ينطبق على مذهب جمهور العلماء، إذن جمهور العلماء يقولون: هي الساعات المعهودة، ونحن نجد أن الأجر في ذلك يتفاوت، فانظر إلى فضيلة من يذهب إلى الجمعة مبكِّرًا، ونحن نتكاسل في هذا الأمر، فالذي يبادر منَّا ربما يأتي مع الإمام إذا دخل، أو يسبقه بقليل، وكثير من الناس يأتون وقد قطع الخطيب شوطًا في خطبته.

فينبغي أن ننظر إلى الفضل "من راح في الساعة الأولى، فكأنما قرب بدنة"، ومعنى "قرَّب بدنة"، أي: كأنه تصدَّق ببدنة (١)، وهذه البدنة التي هي نوع من النَّعم (٢) فإذا ما تصدق الإنسان بها فسيستفيد منها الفقراء والمحتاجون والمعوزون، وسينال صاحبها من الأجر العظيم!

فهذا الذي ذهب في الساعة الأولى كأنه تصدَّق بهذه الصدقة العظيمة، ثم بين أن مَن جاء في الساعة الثانية فكأنما قرَّب بقرة، وهذا أيضًا فيه دليل على تفضيل الإبل على البقر وهو خلاف ما ذهب إليه المالكية في أبواب الحجِّ (٣)، وهذا عمومًا سبق أن تكلمنا عنه عندما كنا


(١) "البدنَة": هي النَّاقة؛ سُمِّيت بَدَنَة بالعِظَم، إِمَّا لسمنها أَو لسنِّها؛ لأنه لا يجوز أن يساق منها الصغار، إنما يساق منها الثُّنْيان فما فوق وكل ما أسن منها وعظم فهو أفضل. انظر: "غريب الحديث"، لابن قتيبة (١/ ٢١٩).
(٢) هذا على قول من قال: إن النَّعم بمعنى الأنعام التي هي الإبل والبقر والغنم. قال ابن الأنباري: "النَّعَم: الإِبل. وفي قول بعضهم، لا يقع إلا على الإِبل، و"الأنعام" تقع على الإِبل والبقر والغنم. فإذا انفردت الإِبل قيل لها: نعمٌ، وأنعام. وإذا انفردت البقر والغنم لم يقل لها: نعم، ولا أنعام. وقال آخرون: "النَّعَم"، و"الأنعام" بمعنى واحد". انظر: "الزاهر في معاني كلمات الناس"، (٢/ ٢٨٠، ٢٨١).
(٣) مذهب الجمهور على أن الإبل أفضل من البقر والبقر أفضل من الغنم، وخالف المالكية، فقالوا: أفضلها الغنم، ثم البقر، ثم الإبل.
انظر في مذهب الأحناف: "المبسوط"، للسرخسي (٤/ ٢٩)، وفيه قال: "والبقرة أفضل من الشاة، والجزور أفضل من البقرة؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ}، فما كان أقرب في التعظيم فذلك أفضل". وانظر: "البحر الرائق"، لابن نجيم (٢/ ٣٨٧). =

<<  <  ج: ص:  >  >>