السبب الأول: السفر، ولا يَلزم أن يكونَ السَّفر فيه مشقة، فليمس كُلُّ مسافرٍ تَلحَقُه مشقَّة، حتى ولو كان كثيرًا من الذين يُسَافرون تَلحَقُهم مشقة، وقد تخفُّ كما في زمننا الحاضر، وقد نجد مَنْ هو في الحاضرة تلحقه مشقة أكثر من المسافر، فلو قُدِّر أن إنسانًا وقَف على فرنٍ يخبز من بعد صلاة الفجر إلى قُرْب المغرب لا يَتَوقَّف إلا وَقْتَ الصلاة، ومع اشتداد القَيظ (١)، لا شكَّ أنه تلحقه مشقة عظيمةٌ أعظم من إنسانٍ سَافَرَ في سيارةٍ مكيفةٍ ومريحةٍ، أو سافر في طائرةٍ أو في غير ذلك، أو حتى سافر على دابةٍ.
وَمِنْ هنا كان العلماء فيما مضى يذكرون بعض المسائل، فيقولون: لو أن إنسانًا قُطِعَتْ به مسافة القصر في دقائقَ مَعْدُودَةٍ، هل يقصر الصلاة؟
هذه مسائلُ تَعرَّض لها العلماء، وربما جعلت من باب الفقه التقديري أو الفرضي، وقد وُجِدَتْ في زماننا، فإنك قد تقطع مسافة القصر بالإنسان في وقت قليل، ويجوز له أن يقصر؛ لأن الله أباح له ذلك.
إذَنْ، تَرَون الحكمة في دراسة بعض المسائل، وفي تدقيق العلماء في بعضها، وفي تفصيلاتهم، وفي تفريعاتهم، وفي تعليلاتهم، فها نحن ننهل من مَعِين تلك الآراء القديمة، ولذلك نجد أن كلَّ مسألةٍ لنا فيها خلفٌ، ونأنس بةَ قوال أولئك العلماء، ونتَّكئ عليها، ونجعلها من الأدلة التي نُقَوِّي بها آراءنا في بحث المسائل التي جدَّت لدينا في هذا الوقت.
السبب الثاني: المرض، فالمريض قد يفطر ولا يصوم، وإذا لحقته مشقةٌ في الصلاة قائمًا، صلَّى قاعدًا، فَفِي الحديث عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "صَلِّ قائمًا، فإن لَمْ تَسْتطع فقاعدًا، فإن لم تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ"، وكَذَلك ما وَرَد في شأن الحامل والمرضع من التخفيف، وَكَلامُ الفُقَهاء كثيرٌ في هذه المسألة، لا نَسْتَطيع أن نعرض له تفصيلًا.