السبب الثالث: الإكراه: وهو من المسائل المهمة، ولكن الإكراه ليس على إطلاقِهِ، فليس كل مَنْ أُكْرِهَ له أن يفعل ذلك، فَمَثلًا يأتي إنسانٌ فيضع سيفًا على رقبة أخيه ويقول: اقتل فلانًا وإلا قتلتك، لا يجوز له ذلك، لأن حرمة أخيك كحرمة مهجتك، وإذا أُكْرِهَ إنسانٌ ليشهدَ شهادة زُورٍ يَتَرتَّب عليها قَتْل مسلمِ، أو انتهاك حرمته، أو إقَامة حَدٍّ علَيه، فلَا يحلُّ لَه ذلك.
إذًا، الإكراه على أنواعٍ، فلو أكره شخص على أن يقذف إنسانًا، فقَدْ يفعل ذلك ويرجع عنه، ولوَ أُكْره على أن يسرق، يفعل ذلك ثمَّ يرد الحق إلى أصحابه، وقد يُكْرَه الإنسان على أن ينطق بكلمة الكفر، فيُبَاح له ذلك لكن بشرط أن يثقَ من نفسه ويطمئنَّ بأن الإيمان مستقرٌّ بنفسه، وقد علمنا أن مِنَ الصحابة مَنْ كان يعذب في الرمضاء، وتُوضَع عليه الصخرة، ويقول: أَحَدٌ أَحَدٌ.
ومع ذلك نَجد أن العلماءَ فَصَّلُوا وقَالوا: أيهما أَوْلَى في حَقِّ المُسْلم إذا أُكْرِهَ أن ينطقَ بكَلمَة الكفر، أَمْ يُقدِّم نفسه؟
الأَفْضَلُ له أن يصمد، وقد رأينا نماذج من الصحابة صمدوا أمام طغيان الكافرين، وقد كان المؤمنون ممَّن سبقونا يُنْشَرُ أحدُهُم بالمنشار وبظل على حاله، ومنهم مَنْ فصَّل القول في ذلك وقال: إذا كان الذي أُكْرِهَ يترتب على تقديمه نفسه ومهجته رفعة لشأن الإسلام، وشجاعة للمسلم ولإقدامه، وعدم ذُلِّه وخضوعه، فَالأَوْلَى أن يُقَدِّم ذلك، وإن ترتَّب على نطقه بها وجود مصالح أو مصلحة من بقائه داعيةً وناصحًا وموجهًا، وفيه خيرٌ لهذه الأمة، وقد لا يوجد مَنْ يقوم مقامه، فلَه أن ينطق بها، ومع ذَلكَ فَقَدْ أباح الله له ذلك شريطةَ أن يكون قلبُهُ مطمئنًّا بالإيمان، هذا في حق الله سبحانه وتعالى.