للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحصافة العقل (١)، وبلوغ الغاية في إدراك كثير من الأمور، فلن يستطيعوا أن يهتدوا إلى ما أرادهم اللَّه سبحانه وتعالى عليه، في إصلاح الناس، وعمارة هذه الأرض، ومن هنا نجد فرقًا كبيرًا، بل لا موازنة بين العقل البشري وشريعة اللَّه سبحانه وتعالى التي أنزلها وهو علام الغيوب، وهو الذي يعلم مَن خلق وهو اللطيف الخبير، ويعلم ما يُصلِحُ الناسَ، ما تستقيم به أمورهم، وما يسعدهم في أخراهم، وما يحل لهم مشكلاتهم، فاللَّه سبحانه وتعالى أنزل لنا هذه الشريعة التي تسير مع الحياة في كل زمان ومكان، تعالج أسقامها علاجًا سليمًا لا عِوَج فيه ولا انحراف، تسير مع المسلم في حاضرته وفي باديته، يجدها في حضره وفي سفره، في كل أمر من أموره، {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨].

وجاءت سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لتبين هذا الكتاب، وترفع ما أُجْمل فيه، وقد أنزله اللَّه سبحانه وتعالى هداية للناس، يقول تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ٢٤].

نشرع الآن في باب عظيم، وهو باب صلاة المسافر، واللَّه سبحانه وتعالى قد خفَّف عن المسافر كثيرًا من الأحكام؛ لأن المسافر هنا قد غادر وطنه، وترك أهله في الغالب وراءه ظِهريًّا (٢)، وهو في هذه الحالة إما أن يكون فيها منفردًا، وقد نهي أن يسافر وحده إلا في حالة ألا يجد رفيقًا (٣)؛ فالسفر قطعة من العذاب (٤)، فليس المسافر كالحاضر ولا ينبغي أن نأخذ


(١) "الحصافة": ثخانة العقل. ورجل حصيف العقل: إذا كان جيد الرأي محكم العقل. انظر: "جمهرة اللغة" لابن دريد (١/ ٥٤٠)، و"لسان العرب" لابن منظور (٩/ ٤٨).
(٢) أي: وراء ظهره. ويستخدم هذا اللفظ في الاستهانة وترك العمل.
"الظِّهْرِيُّ": الذي تجعله بظَهْرٍ، أي: تنساه". انظر: "الصحاح" للجوهري (٢/ ٧٣١).
(٣) أخرجه أحمد في "مسنده" (٥٦٥٠)، عن ابن عمر، "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن الوحدة، أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده". قال الأرناؤوط: "صحيح دون النهي عن أن يبيت الرجل وحده، وهي زيادة شاذة، فقد تفرد بها أبو عبيدة الحداد".
(٤) أخرجه البخاري (٥٤٢٩)، ومسلم (١٩٢٧/ ١٧٩)، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه، فإذا قضى نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله".

<<  <  ج: ص:  >  >>