للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الخلاف في حقيقة الأمر إنما هو خلافٌ شاذٌّ، والأمر فيه دائرٌ بين قول جماهير أهل العلم وأقوالٍ أُخرى ضعيفةٍ جدًّا لا يُعتَدُّ بها، ولكننا نُورِدُ الخلاف هاهنا حتى تكتمل لنا دراسة المسألة دراسةً علميَّةً وافيةً.

وجملة الأقوال في هذه المسألة أربعة أقوال:

القول الأول: أنها تحصل بالغَسل، وهو قول عامة أهل العلم.

ويمكننا أن نَصِفَ هذا القول بأنه إجماع أهل العلم، فهذا الإمام النووي رَحِمَهُ اللهُ حينما ذَكَرَ هذه المسألةَ، صَدَّرَها بقوله: "أَجْمَعَ العلماءُ" (١)، وهذا الإمام التابعي المعروف عبد الرحمن بن أبي ليلى قال فيها: "اجتمع أصحاب رسول الله على غسل القدمين" (٢).

ويُعَاب على المؤلِّف هاهنا قوله: "فقال قوم: طهارتهما الغسل"، فهذا لا شكَّ يُتَوَهَّمُ منه أن في المسألة خلافًا سائغًا أو ما شابه، بينما الخلاف شاذٌّ كما ذَكَرْنَا، فكان ينبغي أن يُصَدِّرها بما يدلُّ على ذلك، مثل: "قال أكثر العلماء، قال عامَّة العلماء … "، وَمثل هذه الألفاظ التي تُوَضِّح رُجْحان هذا القول، وقوة مستند القائلين به.

القول الثاني: أنها تحصل بالمسح: وهو قول الشيعة، وهو قولٌ ضعيفٌ واهٍ، لا يمكن الاعتداد به.

وقد ردَّ العلماء على ما تشبثوا به من آثارٍ نُقِلَت عن الصحابة كما


(١) يُنظر: "شرح مسلم" للنووي (٣/ ١٠٧) حيث قال: "وأجمع العلماء على وجوب غسل الوجه واليدين والرجلين، واستيعاب جميعهما بالغسل".
(٢) عزاه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (١/ ٢٦٦) لسعيد بن منصور في "سننه" حيث قال: "وقد تواترت الأخبار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صفة وضوئه أنه غسل رجليه … ولم يثبت عن أحدٍ من الصحابة خلاف ذلك إلا عن عليٍّ وابن عباس وأنس، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك. قَالَ عبد الرحمن بن أبي ليلى: أَجْمَع أصحاب رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- على غسل القدمين … رواه سعيد بن منصور".

<<  <  ج: ص:  >  >>