للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيَّنَّا، ورَدُّوا كذلك استدلالهم بحديث: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى كِظَامَة (١) قومٍ، فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه" (٢)، بأن هذا إنما كان في أول الإسلام، وقد فصَّلنا الكلام في هذا.

وكذلك رد العلماء (٣) قولهم هذا بردودٍ كثيرةٍ جليَّةٍ، منها على سبيل المثال:

* أنَّ غسل الرأس فيه مشقةٌ؛ فالماء حينئذٍ يسيل على البدن، وربما يؤذي الإنسان، أما غسل القدمين فلا مشقة فيه، ولا ضرر.

* وأن الرِّجلين حُدَّتَا بالكعبين كما حُدَّت اليدان بالمرفقين، فكان هذا دليلًا على أن المطلوبَ فِيهِما إنما هو الغَسل، أما الرأس فلم يُذْكَر فيه حدٌّ، كما قال تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦].

* وأنَّ الرَّأسَ إنما هو في أعلى البدن، كما أنه مستورٌ مُغَطًّى، أما الرِّجلان فإن الإنسان يسير عليهما، وقد تَعْلَقُ بهما القاذوراتُ والنجاسات، فتتأثر بذلك، فكان الغَسل هو المناسِبَ لهما لا المسح.

* أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يُخَلِّلُ بين أصابعه، ويُفرِّق بعضها، وهذا إنَّما هو من شأن الغَسل، أما المسح فلا يحتاج إلى ذلك، إنَّمَا المسحُ هو إمْرَارُ اليَد على الشيء بَعْدَ بَلِّها بالماء.

القول الثالث: جَوَاز الغسل والمسح: وهو ما ذَهَب إليه ابن جريرٍ الطَّبري.


(١) "الكظامة": كالقَناة وجمعها: كظائم، وهي آبار تحفر في الأرض متناسقة، ويخرق بعضها إلى بعض تحت الأرض، فتجتمع مياهها جاريةً. يُنظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (٤/ ١٧٧).
(٢) أخرجه أبو داود (١٦٠)، وصحَّحه الأَلْبَانيُّ في "صحيح أبي داود" (١٥٠).
(٣) ينظر: "المجموع" للنووي (١/ ٤١٧، ٤١٨) حيث قال: "واحتج أصحابنا بالأحاديث الصحيحة المستفيضة في صفة وضوئه -صلى الله عليه وسلم- أنه غسل رجليه، منها حديث عثمان، وحديث علي، وحديث ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن زيد والربيع بنت معوذ وعمرو بن عبسة، وغيرها من الأحاديث المشهورة في "الصحيحين"، وغيرهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>