للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحقيقة أن الإمام الطبري إنما قال بالتخيير حينما تساوت عنده القراءتان، قراءة النصب الدالة على الغَسل، وقراءة الخفض الدالة على المسح، فصارتا عنده بمثابة روايتين مُتَساويتين في الصحة، فقال: "يُخَيَّرُ الإنسانُ بينهما" (١).

وَقَوْلُ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَري يَرُدُّهُ كثيرٌ من الأحَاديث، منها قول النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ" (٢).

وكذلك يَرُدُّه أنَّ هذا التخيير من شأنِهِ أن يُبقِيَ الإنسانَ مُتَرَدِّدًا في أَمْرِ من أمورِ دِينِهِ، بَلْ في مَدخَلٍ إلى أدَاء فَرِيضَةٍ كفريضة الصلاة، فإنَّ العبَادات قَدْ تكون مقصودةً لذاتها؛ كالصلاة والزكاة، وقَدْ تكون مقصودةً لغيرها كالوُضُوء والتيمُّم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ" (٣)، ولا يوجد ما يحمل الإنسان على الدخول في الحيرة والتردد بحيث يبقى لا يدري هل أجزأه مسح قدميه أم لا، في حين أنه يمكنه الأخذ بالأحوط، هاراحة نفسه من هذا التخبُّط، لا سيما ووجوب غسل الرِّجلَين قال به عامَّة أهل العلم، وأكثرهم على عَدَم صِحَّة وضوء مَنْ مَسَحَ عليهما.

القَوْل الرَّابع: وُجُوبُ الإتيان بالغَسل والمسح جميعًا، وَهُوَ قَوْلُ بَعْض الظَّاهريَّة (٤)، وهذا يَنْبني على منهج الظاهريَّة أنَّهم يقفون عند


(١) يُنظر: "تفسير الطبري" (١٠/ ٦٣) حيث قال: "وجه صواب قراءة مَنْ قرأ ذلك نصبًا لما في ذلك من معنى عمومها بإمرار الماء عليهما. ووَجْهُ صواب قراءة مَنْ قرأه خفضًا، لما في ذلك من إمرار اليد عليهما، أو ما قام مقام اليد، مسحا بهما، غير أنَّ ذلك وإن كان كذلك، وكانت القراءتان كلتاهما حسنًا صوابًا، فأعجب القراءتين إليَّ أن أقرأها، قراءة من قرأ ذلك خفضًا، لما وصفت من جمع "المسح" المعنيين اللذين وصفت".
(٢) أخرجه البخاري (٦٠)، ومسلم (٢٤١).
(٣) أخرجه الترمذي (٢٥١٨)، وَصحَّحه الأَلْبَانيُّ في "إرواء الغليل" (١/ ٤٤).
(٤) يُنظر: "المحلى" لابن حزم (١/ ٣٠١) حيث قال: "مسألة: وأما قولنا في الرِّجْلين، فإن القرآن نزل بالمسح، قال الله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ}، وسواء=

<<  <  ج: ص:  >  >>