للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظواهر، ويريدون ألا يَتجَاوزوها، فلمَّا رأوا أن القِرَاءَتين مُتَساويتان، أَوْجَبوا الأَمْرَين جميعًا خروجًا من الخلاف.

ولبَيَان غلطهم فيما ذهبوا إليه نقول: إنَّ المسح داخلٌ في الغَسل، فإن الغَسل إذا حصل، فقد حصل المسح تبعًا له، وإذا كان الأمر كذلك، فليس ثَمَّ سبمث يحملنا على الأخذ بوجوب الأمرين، بل يكفينا وجوب الغَسل.

والصحيح أن الخروج من الخلاف يكون في اتباع رسول الله والتَّأَسِّي به، وقد فسَّرَ لنا آية الوضوء تفصيلًا شاملًا لا يتطرق إليه شكٌّ ولا احتمالٌ في الأَحَاديث التي تَنَاولَت صفة وضوئِهِ.

وتَجْدر الإشَارة هاهنا إلى أن داودَ الظاهري لم يقل بهذا الذي قاله بعض الظاهريَّة، وإنَّما هو على وجوب الغَسل كَجَماهير العلماء.

(وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمُ: القِرَاءَتَانِ المَشْهُورَتَانِ فِي اصدةِ الوُضُوءِ: أَعْنِي قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ: {وَأَرْجُلَكُمْ} بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى المَغْسُولِ، وَقِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ: (وَأَرْجُلِكُمْ) بِالخَفْضِ عَطْفًا عَلَى المَمْسُوحِ).

إذًا، هناك قراءتان:

١ - قراءة النصب (١): {وَأَرْجُلَكُمْ}: وهي نصٌّ في العطف على


= قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حَالٍ عطف على الرؤوس: إما على اللفظ، وإمَّا على الموضع، لا يجوز غير ذلك؛ لأنه لا يجوز أن يُحَال بين المعطوف والمعطوف عليه بقَضيَّةٍ مُبْتدأةٍ.
وهكذا جاء عن ابن عباس: نزل القرآن بالمسح -يَعْني: في الرجلين في الوضوء- … وهُوَ قول الطبري، ورويت في ذلك آثار … وإنما قلنا بالغسل فيهما لما حدثنا عَنْ عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "تخلف النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفرِ، فأَدْرَكنا، وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادَى بأَعْلَى صوته: "وَيْلٌ للأعقاب من النار"، مرتين أو ثلاثًا.
(١) يُنظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة (ص ٢٢١) حيث قال: "قرأ نافع وابن عامر والكسائي وحفص: {وَأَرْجُلَكُمْ} بالفتح".

<<  <  ج: ص:  >  >>