للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَامُوا اسْتِنْبَاطَهَا مِنْ فِعْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَعْنِي: مَنْ يَرْتَفِعُ عَنْهُ بِقَصْدِ الإِقَامَةِ اسْمُ السَّفَرِ، وَلذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الإِقَامَةُ مُدَّةً لَا يَرْتَفِعُ فِيهَا عَنْهُ اسْمُ السَّفَرِ بِحَسَبِ رَأْيِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي تِلْكَ المُدَّةِ، وَعَاقَهُ عَائِقٌ عَنِ السَّفَرِ أَنَّهُ يَقْصُرُ أَبَدًا، وَإِنْ أَقَامَ مَا شَاءَ اللَّهُ).

وهذا عند جمهور العلماء عدا الشافعية (١)؛ فقد قيَّدوا ذلك في المشهور عنهم بثمانية عشر يومًا.

* قوله: (وَمَنْ رَاعَى الزَّمَانَ الأَقَلَّ مِنْ مُقَامِهِ تَأَوَّلَ مُقَامَهُ فِي الزَّمَانِ الأَكْثَرِ مِمَّا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ عَلَى هَذِهِ الجِهَةِ، فَقَالَتِ المَالِكِيَّةُ (٢) مَثَلًا: إِنَّ الخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الَّتِي أَقَامَهَا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَامَ الفَتْحِ إِنَّمَا أَقَامَهَا، وَهُوَ أَبَدًا يَنْوِي أَنَّهُ لَا يُقِيمُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ (٣)، وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَلْزَمُهُمْ فِي الزَّمَانِ الَّذِي حَدُّوهُ).

يلزمهم في الزمان الذي حدوه، يعني: ثلاثة أيام، وربما أنه بقي ثلاثة أيام لا يدري متى سيذهب، فلماذا فرقتم بين هذه وبين هذه دون دليل للتفريق؟ يعني: يريد أن يقول الخصم يعني المخالف: نحن ننقض دعواكم بدعوى مماثلة، فأنتم تقولون بأن الرسول إنما مكث خمسة عشر أو سبعة عشر أو ثمانية عشر أو تسعة عشر يومًا عام الفتح؛ لأنه لا يدري متى سيسافر، فهلَّا قلتم في الثلاثة: بقي ثلاثة أيام ولا يدري متى سيذهب؟


(١) كما تقدم النقل عنهم.
(٢) كما تقدم النقل عنهم.
(٣) انظر: "مناهج التحصيل" للرجراجي (١/ ٤٤٧) وفيه قال: "لأن الخمسة عشر يومًا التي أقامها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بمكة عام الفتح إنما أقامها وهو أبدًا ينوي أنه لا يقيم أربعة أيام. . . ويحتمل أن تكون إقامته بنية الزمان الذي يجوز إقامته فيه مقصرًا باتفاق، ثم عرض له إقامة أكثر من ذلك لأمر أوجبها".

<<  <  ج: ص:  >  >>