للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبقى مسألة، وهي: إذا كان مطر يَبل الثياب، وجاز الجمع بين الصلاتين تخفيفًا وتيسيرًا، فهل الحُكم سار على الكل لأن الحاجة عامة، أم تخص من تلحقه المشقة فقط؟

اختلف العلماء؛ فالشافعية (١)، والحنابلة في رواية (٢) قالوا: يجوز للإنسان أن يجمع، حتى وإن صَلَّى في بيته، أو كان مقيمًا في المسجد، أو كان بيته على المسجد مباشرة بحيث لا تمسُّه قطرة واحدة؛ لأن الحكم إذا قُرِّر شمل مَن تلحقه المشقة وغيره؛ كالمسافر، ومثله إباحة عقد السلم، وإباحة كلب الصيد، ونحو ذلك.

ومنهم مَن قال (٣): لا تعم، بل تُقصر المشقة على صاحبها، ولا يُتجاوز بها إلى غيره؛ كالرُّخصة في ترك الجمعة والجماعة تختص صاحب العذر، ولا يجوز لمن لا عذر له أن يترك الجمعة ولا الجماعة.


(١) للشافعية في هذا قولان؛ يُنْظَر: "مغني المحتاج" للشربيني (١/ ٥٣٤)، حيث قال: " (والأظهر)، وفي "الروضة": "الأصح" (تخصيص الرُّخصة بالمصلي جماعة) بمصلي (بمسجد) أو غيره، (بعيد) عن باب داره عرفًا بحيث (يتأذى بالمطر في طريقه) إليه؛ نظرًا إلى المشقة وعدمها، بخلاف مَن يصلي ببيته منفردًا أو جماعة، أو يمشي إلى المُصَلَّى في كن، أو كان المصلى قريبًا فلا يجمع؛ لانتفاء التأذي. . . والثاني: يُترخص مطلقًا".
(٢) يُنْظَر: "الإنصاف" للمرداوي (٢/ ٣٣٩)، حيث قال: " (وهل يجوز لمن يصلي في بيته أو في مسجد طريقه تحت ساباط)؟ (على وجهين). وكذا لو ناله شيء يسير. . . أحدهما: يجوز. وهو المذهب، قال القاضي: هذا ظاهر كلام أحمد. . .، والوجه الثاني: لا يجوز".
(٣) وهم المالكية؛ يُنْظَر: "الشرح الكبير" (١/ ٣٧٢)، حيث قال: " (ولا) تجمع (المرأة والضعيف ببيتهما) المجاور للمسجد؛ إذ لا ضرر عليهما في عدم الجمع، (ولا) يجمع (منفرد بمسجد) متعلق بـ "يجمع" المقدر، أي: بل ينصرف ليصلي العشاء ببيته إلا أن يكون راتبًا فيجمع كما تقدم، (كجماعة لا حرج)، أي: لا مشقة (عليهم) في إيقاع كل صلاة في وقتها؛ كأهل الزوايا والرُّبط، وكالمنقطعين بمدرسة أو تربة إلا أن يجمعوا تبعًا لمن يأتي للصلاة معهم من إمام أو غيره".

<<  <  ج: ص:  >  >>