للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَالمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ": "أَرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ" (١)).

"عذل أي: أخذ على مالك التفريق؛ إذ إنه قد روى حديث ابن عباس: أنه قال: "صَلَّى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا، في غير خوف ولا سفر" وقال: "أرى ذلك كان في مطر"، ومع هذا عدل عنه، ولذلك عذله الشافعي؛ إذ كأنه أخذ بأحد شطري الحديث وترك الشطر الآخر، وسيناقشه المؤلف.

ولكن للمالكية والحنابلة وجهة من النظر؛ وهي أن الآثار جاءت في


(١) يُنْظَر: "الأم" للشافعي (٧/ ٢١٦)، حيث قال -ردًّا على قول مالك المذكور:- "فزعمتم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جمع بالمدينة الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولم يكن له وجه عندكم إلا أن ذلك في مطر، ثم زعمتم أنتم أنكم تجمعون بين المغرب والعشاء بالمدينة، وكل بلد جامع، ولا تجمعون بين الظهر والعصر في المطر. . .، فذهبتم، ومن ذهب مذهبكم المذهب الذي وصفت من الاحتجاج في الجمع في المطر، ورأى أن وجه الحديث هو الجمع في المطر، ثم خالفتموه في الجمع في الظهر والعصر في المطر، أرأيتم إن قال لكم قائل: بل نجمع بين الظهر والعصر في المطر، ولا نَجمع بين المغرب والعشاء في المطر هل الحُجَّة عليه؟ إلا أن الحديث إذا كانت فيه الحجة لم يجز أن يُؤخذ ببعضه دون بعض؟ فكذلك هي على مَن قال: يجمع بين المغرب والعشاء، ولا يجمع بين الظهر والعصر، وقلما نجد لكم قولًا يصح، واللَّه المستعان، أرأيتم إذا رويتم عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء؛ فاحتججتم على مَن خالفكم بهذا الحديث في الجمع بين المغرب والعشاء، هل تعدون أن يكون لكم بهذا حجة؟ فإن كانت لكم به حجة، فعليكم فيه حجة في ترككم الجمع بين الظهر والعصر، وإن لم تكن لكم بهذا حجة على مَن خالفكم، فلا تجمعوا بين ظهر ولا عصر، ولا مغرب ولا عشاء لا يجوز غير هذا، وأنتم خارجون من الحديث، ومن معاني مذاهب أهل العلم كلها، واللَّه المستعان، أو رأيتم إذ رويتم الجمع في السفر لو قال قائل كما قلتم: أجمع بين المغرب والعشاء؛ لأن أكثر الأحاديث جاءت فيه، ولا أجمع بين الظهر والعصر؛ لأنهما في النهار والليل أهول من النهار، هل الحجة عليه؟ إلا أن الجمع رخصة فيها، فلا يجوز أن يمنع أحد من بعضها دون بعض، فكذلك هي عليكم، واللَّه أعلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>