للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المغرب والعشاء (١).

وفيما ذكره من أن مالكًا -رَحِمَهُ اللَّهُ- خصصه من جهة القياس (٢)، أو أنه أخذ بأحد شطري الحديث وترك شطرًا - نَظَرٌ؛ فإن مالكًا إنما راعى العمل، كما سيشير المؤلف؛ فإن مالكًا هو إمام دار الهجرة، وقد أدرك الفقهاء السبعة، وهم متفقون على هذا، مع ما ذكرنا من الآثار، وهي معتمد الحنابلة في مذهبهم حينما فَرَّقوا بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فأجازوا الجمع في الأُخريين في المشهور دون الأُولَيَيْن، وفي القول الآخر وافقوا الشافعية (٣).

(قَالَ: فَلَمْ يَأْخُذْ بِعُمُومِ الحَدِيثِ، وَلَا بِتَأْوِيلِهِ: (أَعْنِي: تَخْصِيصَهُ)، بَلْ رَدَّ بَعْضَهُ، وَتَأَوَّلَ بَعْضَهُ، وَذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ).

وهذا لا يجوز بالإجماع لو لم يكن للمذهبين مُستند، فأما ولهم مُستند فيصح التفريق.

* قوله: (وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ بِقَوْلِهِ فِيهِ: "جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ"، وَأَخَذَ بِقَوْلِهِ: "وَالمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ"، وَتَأَوَّلَهُ).

ولننتبه أن العلماء دائمًا يُدققون ويبحثون عن علل الأحكام، فإذا كان الغرض من الجمع بين الصلاتين: المطر؛ فهذه العلة -وإن تحققت في الاثنين- فهي تختلف، ففرق بين سائر يسير في وضح النهار يرى طريقه ويدركه غاية الإدراك؛ فيذهب يمينًا وشمالًا، ويتجنب المواقع، وبين إنسان


(١) يُنْظَر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (١/ ٢٩٩)، حيث قال: "لأن السُّنَّة لم تَرِد بالجمع لذلك إلا في المغرب والعشاء". رواه الأثرم، وروى البخاري بإسناده: "أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة".
(٢) يُنْظَر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (٣/ ٣٠)، حيث قال: "ولم يقل بذلك مالك في صلاة النهار، وخَصَّ الحديثَ بضربٍ من القياس".
(٣) سبق تخريج هذه المذاهب قبل قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>