للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحوه إذا كثر ذلك، فالمشقة أنواع؛ فهناك مشقة يترتب على ترك الأخذ بالرخصة فيها الهلاك؛ فلو أن إنسانًا لحقته مشقة وجاع ولم يجد ما يأكله إلا ميتة؛ فإن ترك هذه الميتة مات؛ فهذا يجب عليه أن يأكل الميتة، ومثله لو أصابته غصَّة ولم يجد ما يدفعها به إلا مُحَرَّم؛ فإنه يفعل ذلك، ولا يُلقي بنفسه إلى التهلكة. فهذه مشقة معروفة معتبرة.

ودونها مشقة لا تصل بالإنسان إلى ذهاب نفس أو طرف، ونحوه لكن يتضرر بها، وهذه هي المقصودة هنا.

أما المشقة اليسيرة؛ كصداع يسير، أو ألم ضِرس، أو ألم في طرف من الإنسان، هذا لا أثر له في الجمع، وإنما المقصود بالمشقة التي يتأذى بها الإنسان، وإن لم تصل إلى درجة الهلاك.

* قال: (وَمَنَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ (١)، وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي تَعَدِّي عِلَّةِ الجَمْعِ فِي السَّفَرِ، أَعْنِي المَشَقَّةَ).

علة الجمع في السفر: هي المشقة، وقد اختلفوا هل هي متعدية أو قاصرة؟

فالعلة المتعدية؛ كإلحاق الأرز بالقمح؛ لأن العلة موجودة في الأرز، سواء قلنا: العلة هي الكيل، أو الوزن والطعم، فهي موجودة في الفرع والأصل (٢).


(١) يُنْظَر: "المهذب" للشيرازي (١/ ١٩٨)، حيث قال: "ولا يجوز الجمع إلا في. . .، فأما الوحل والريح والمرض فلا يجوز الجمع لأجلها؛ فإنها قد كانت في زمان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يُنقل أنه جمع لأجلها".
(٢) يُنْظَر: "الحدود في الأصول" لأبي الوليد الباجي (ص: ١٢٢، ١٢٣)، حيث قال: "العلة المتعدية: هي التي تَعَدَّت الأصل إلى فرع. ومعنى ذلك: أن كل حكم ثابت في معنى من المعاني لعلة لا تختص به، بل توجد في غيره، فإن تلك العلة متعدية؛ لأنها قد تعدت الأصل الذي تثبت فيه إلى فرع أو فروع. مثال ذلك: التحريم في بيع البر متفاضلًا ثبت لكونه مقتاتًا جنسًا عند المالكيين، أو مكيلًا جنسًا عند الحنفيين، أو مطعومًا جنسًا عند الشافعيين. وهذه كلها معان متعدية إلى الأرز والذرة، وغير ذلك مما يطول تتبعه، فكانت علته متعدية".

<<  <  ج: ص:  >  >>