للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما العِلة القاصرة فلا يتجاوز بها محلها، ولا تُنقل إلى حكم آخر (١).

فعلى رأي المؤلف، مَن يرى أنها متعدية يقول: لا فرق بين هذا وهذا، فإذا جاز الجمع في المطر جاز في المرض؛ فالمشقة متحققة في المريض أكثر، ومن يقول: العلة قاصرة، فيُقتصر بها على موضعها لا يتجاوز بها.

والحقيقة: أن سبب الخلاف؛ ليس هو الخلاف في العلة -كما ذكر المؤلف- لكن في فَهْم حديث ابن عباس: "في غير خوف، ولا سفر"، "في غير خوف، ولا مطر"، فبقي أن تكون العلة؛ إما المرض، أو مساوية له، أو دونه، فإن كانت مساوية للمرض وليس المرض، فالمرض مثلها، وإن كانت دون ذلك؛ فالمرض من باب أولى.

قالوا: وكون الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُنقل عنه أنه جمع لأجل المرض، هذا لا يَلزم منه عدم الجواز؛ لأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- تَحَمَّل أشياء كثيرة.

* قَالَ: (فَمَنْ طَرَّدَ العِلَّةَ، رَأَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الأَوْلَى وَالأَحْرَى).

(طَرَّد (٢) العلة)؛ أي: جعلها مُطردة (٣)، بمعنى: نقلها إلى حكم آخر، لا أنه ألغاها.


(١) يُنْظَر: "الحدود في الأصول" لأبي الوليد الباجي (ص: ١٢٣، ١٢٤)، حيث قال: "العلة الواقفة: هي التي لم تَتعد الأصل إلى فرع. والعلة الواقفة إذا ثبتت في معنى من المعاني كانت مقصورة عليه، وغير موجودة في سواه؛ فوصفت لذلك بأنها موقوفة عليه ممنوعة من أن تتعدى إلى سواه. وذلك مثل قولنا في أن بيع الذهب بالذهب متفاضلًا والورق بالورق متفاضلًا حرام، وعلة ذلك: أنها أصول الأثمان وقيم المتلفات، وهذه علة معدومة فيما سواهما، فلذلك وصفت بأنها واقفة".
(٢) يُنْظَر: "الحدود في الأصول" لأبي الوليد الباجي (ص: ١٢٣)، حيث قال: "والطرد: وجود الحكم لوجود العلة. ومعنى الطرد: إجراء الحكم على ما رام المستدل إجراءه عليه من إثبات أو نفي. ومثال ذلك: قولنا في النبيذ المسكر: أنه حرام؛ لأنه شراب فيه شدَّة مُطربة، فإنه حرام".
(٣) معنى كون العلة مطردة: أنه لا يتخلف الحكم عند وجود العلة، بل كلما وُجدت العلة وُجد الحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>