للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويأتي -أيضًا- في مقدمة ذلك صلاة الجماعة التي تساهل فيها كثير من المسلمين، فلم يؤدوا حقها، ولم يُعنوا بها، بل تكاسلوا وتخلَّفوا عنها، وقد عرفنا فيما مضى أن التخلف عنها علامة من علامات المنافقين، أما الذين يتطلعون إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فإن أولئك يسارعون في الأعمال الصالحة -وفي مقدمتها الصلاة- فيُؤدونها في جماعة.

فالذين يسعون إلى الحسنى إنما يسعون إليها بطاعة اللَّه -سبحانه وتعالى-، والصلاة هي الوسيلة التي يُناجي المسلم فيها ربَّه؛ فيقف فيها بين يدي اللَّه -سبحانه وتعالى- لا يرجو غيره ولا يطلب سواه؛ فلا ملجأ منه إلا إليه -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١)} [الأنبياء: ١٠١].

فالذين سبقت لهم منا الحسنى هم أولئك الذين اتقوا اللَّه -سبحانه وتعالى-، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣)} [الأحقاف: ١٣].

في الموقف الذي يخاف الناس فيه يوم العرض الأكبر على اللَّه {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: ٣٠]، في ذلك الموقف يجد الإنسان ما قدم من العمل الصالح، ويجد في مقدمته هذه الصلاة التي قال فيها الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من حافظَ عليها كانتْ له نُورًا وبرهانًا ونجاةً يومَ القيامةِ ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاةً يومَ القيامةِ" (١).

فهذه هي الصلاة، ولذلك وجدنا أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا حزبه أمرٌ فَزع إلى الصلاة، أي: أسرع إليها، وهي -أيضًا- مما تطمئن به القلوب، وترتاح به الأفئدة، وتسكن إليها النفوس، فالإنسان إذا ما ذهب ليُصلي تَخِف همومه، وتزول عنه، ويبقى مطمئن النفس؛ لأنه رجع إلى اللَّه، فإن كانت هناك مصيبة يعلم أن ذلك بقضاء اللَّه وقدره؛ فتَخف آلامه وأحزانه.


(١) أخرجه أحمد (٦٥٧٦)، وحَسَّن إسنادَه الأرناؤوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>