فقد طالب اللَّه -عزَّ وجلَّ- المؤمنين بالصلاة في هذا الموقف، تصور: العدو تَراه أمامك، وربما يُحيط بك كالمِعصم، ومع ذلك لا تترك هذه الصلاة؛ لأهميتها، وعناية الإسلام بها، ولذلك كان الصحابة يتسابقون عليها، كان الرجل يُؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف، ولو فاتته جماعة بعذر، فإنه يَظل في يومه قلقًا غير مرتاح، مع أن اللَّه قد عذره في ذلك.
ففي هذا المقام الذي للإنسان فيه أعظم حاجة إلى التخفيف، لم يُرخص اللَّه -سبحانه وتعالى- في تركها، بل أمرهم أن يُؤدوها مع هذا الخوف، بل وفي حال اشتداد الخوف.
الآية التي تلي هذه الآية مباشرة هي الآية التي يُستدل بها على صلاة الخوف، ولكن لعل المؤلف استشهد بها لما كانت هذه الآية سبب نزول القصر، وإنما الآية التي يُستشهد بها وتُجعل دليلًا في هذا المقام هي قول اللَّه -سبحانه وتعالى-: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ. . .}.
وقد نزل قَوْلُه تَعَالَى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا} في قَصْرِ الصلاة.
ولهذه الآية مناسبة؛ فقد روى النسائي عن أبي عياش الزرقي، قال: "كنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعسفان، فصلى بنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة الظهر، وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد، فقال المشركون: لقد أصبنا منهم غِرَّة، فأنزل اللَّه -يعني: صلاة الخوف- بين الظهر والعصر، فصلى بنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة العصر، ففَرَّقنا فرقتين؛ فرقة تُصلي مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفرقة يحرسونه، فكبر بالذين يَلُونه والذين يحرسونهم، ثم ركع فركع هؤلاء وأولئك جميعًا، ثم سجد الذين يلونهم، وتأخر هؤلاء والذين يلونه، وتقدم