للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجواب: لا خلاف بينهم في هذا المقام أن الحدث سواء كان المحدث متعمدًا أو ناسيًا ولا فرق بين أن يغلبه الحدث أو لا يغلبه إن ذلك ينقض الطهارة، لكن الخلاف بينهم هل يبطل الصلاة أو لا (١)؟

ولذلك، جاء في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ زَيدٍ الأنصاريِّ -رضي اللَّه عنه- قال: شُكِيَ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الرجُلُ يُخيَّلُ إليه أنَّه يجدُ الشَّيءَ في الصَّلاةِ، قال: "لَا يَنْصَرف حتَّى يَسْمَعَ صوتًا، أو يَجِدَ رِيحًا" (٢).

"لا ينصرف": نهيٌ من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وليس الأمرُ قَاصرًا على أن يسمع صوتًا أو يجد ريحًا (٣)، فَقَدْ يخرج منه أكثر من ذلك، وَدائمًا مَنْهجُ الكتَاب وأُسْلوب رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو التَّكنية: أن يُكنَّى عن بَعْض الأمور: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣]، فأَحْيَانًا لا يأتي التصريح بمَا هو مرادٌ، لكنه تَدلُّ الإشَارة عَلَيه دلالة واضحة.

* قوله: (وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يَقْتَضِي الإِعَادَةَ مِنْ أَوَّلِهَا إِذَا كَانَ قَدْ ذَهَبَ مِنْهَا رَكْعَةٌ أَوْ رَكْعَتَانِ قَبْلَ طُرُوِّ الحَدَثِ أَمْ يَبْنِي عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنَ الصَّلَاةِ).

مُرَادُهُ: إنَّ الحدث إذَا طرأ في الصلاة فأثَّر عليها، فَهَلْ هذا يَسْتوجب استئنافَ الصلاة، أَيْ: أن يعيدَها من أوَّلها؟ لَا يَخْتلفون في أنَّه إذا أحدث الإنسان، فإن وضوءَه ينتقض، وإنه يجب عليه أن يتوضأ، لكن بَعْد الوضوء هل يستأنف الصلاة أي: يعيدها أو أنه يبدأ من المقام الذي كان عنده؟


(١) ستأتي.
(٢) أخرجه البخاري (١٣٧)، ومسلم (٣٦١).
(٣) يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (١/ ٢٣٨)، حيث قال: "ودل حديث الباب على صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدث، وليس المراد تخصيص هذين الأمرين باليقين؛ لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ، كان الحكم للمعنى. . قاله الخطابي. وقال النووي: هذا الحديث أصلٌ في حُكْم بقاء الأشياء على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها".

<<  <  ج: ص:  >  >>