للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُبَّما يُشْكل على البعض كلمة "البناء"؛ فأنت إذا أردتَ أن تُقيم منزلًا (دارًا) تضع له أساسًا، ثم بَعْدَ ذلك تضع البناء، فأنت قد دخلتَ في الصلاة وشرعت فيها؛ ومفتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، فمَعْنى البناء أنك لا تلغي ما مضى، وإنما تَعْتبره تأسيسًا، فتبني عليه، هذا هو مرادُهُ، فَمَا مضَى تَعْتبره أساسًا تبني عليه، وكَوْنك تَسْتأنف يعني: تلغي ما مَضَى، وتبدأ العمل استئنافًا، أي: جديدًا.

ومسألة "الرُّعاف" ليس بمثابة الحدث، وقد مرَّ الكلام فيه فيما سبق، وكذلك الرعاف يختلف قلةً وكثرةً، والدم الذي يخرج من الإنسان تكلمنا عنه سابقًا، ويُفرق أيضًا بين ما يراه الإنسان فاحشًا زائدًا، وبين ما يراه قليلًا؛ فما يخرج من دمٍ يسيرٍ معفو عنه، وتقدير ذلك يرجع إلى الإنسان (١)، ولذلك


(١) اخْتَلفت مَذاهبُ الفُقَهاء في العفو عن يسير النجاسة:
فعند الحنفية: قدر الدرهم معفو عنه في النجاسات المغلظة، وفي المخففة يُعْفى عما دون ربع الثوب.
وانظر: "مختصر القدوري" (ص ٢١)، حيث قال: "ومَنْ أصابه من النجاسة المغلظة كالدم والبول والغائط والخمر مقدار الدرهم، فما دونه جازت الصلاة معه، فإن زاد لم تجز، وَإنْ أَصَابته نجاسة مخففة كبول ما يؤكل لحمه، جازت الصلاة معه ما لم يبلغ ربع الثوب".
وعند المالكية: يُعْفى عن قَدْر الدرهم مطلقًا.
وانظر: "الشرح الصغير" للدردير (٧٤١١)، حيث قال: " (وقدر درهم من دمٍ وقيحٍ وصديدٍ)، أي: يُعْفى عن قدر الدرهم البغلي، وهو الدائرة السوداء الكائنة في ذراع البغل فدون".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (١/ ١٢٧)، حيث قال: " (وكذا في قول نجس لا يدركه طرف) أَيْ: لَا يشاهد بالبصر لقلته؛ لا لموافقة لونٍ ما اتصل به كنقطة بول وخمر. . . لعسر الاحتراز عنه، فأشبه دم البراغيث".
وعند الحنابلة، يُنظر: "الإقناع" للحجاوي (١/ ٦١)، حيث قال: "ولا يُعْفى عن يسير نجاسةٍ ولَوْ لم يدركها الطرف كالذي يعلق بأرجل ذباب ونحوه إلا يسير دم وما تولَّد منه من قيح وغيره ماء قروح في غير مائعٍ ومطعوم وقدره الَّذي لم ينقض من حيوانٍ طاهرٍ من آدميٍّ من غير سبيل حتى دم حيض ونفاس واستحاضة أو من غير آدميٍّ مأكول اللحم أو لا كهر، ويضم متفرق في ثوب لا أكثر".

<<  <  ج: ص:  >  >>