للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤)} [التوبة: ١١٤].

"وأوَّاه" (١) صفة مبالغة، فاللَّه مدح إبراهيم بهذا الوصف، فلو لم يكن ذلك محل ثناء لمَا امتدحه اللَّه به، إذًا فالأَوَّاه يتَّصف بهذه الصفة، وما دام يتصف بها وهي صفة ذِكْرٍ؛ فلا ينبغي أن تُؤثِّر في الصلاة؛ لأن الذِّكر لا يؤثر في نقصان الصلاة، وَلَا فِي بُطْلانها.

كَذَلك أيضًا يختلفون فيما يتعلَّق بالبكاء، ويقولون فيما يتعلَّق بالبكاء بعد أن اتفقوا على أن مَنْ غلبه البكاء، أو بكى خوفًا من النار، أو خشيةً للَّه؛ فإن ذلك لا يؤثر، وبعضهم يرى أن البكاء لا يفسد الصلاة؛ لأن اللَّه أثنى على الباكين وامتدحهم في كتابه، فقال سبحانه وتعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (١٠٩)} [الإسراء: ١٠٩]، وقال: {. . . خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (٥٨)} [مريم: ٥٨].

فَهذِهِ صفةٌ امتدح اللَّه سبحانه وتعالى بها الباكين (٢).

وَمِنَ العُلَماء مَنْ يقول: إن البكاء إنْ لم يكن لما ذُكِرَ أولًا، خوفًا من اللَّه، وخوفًا من النار، وغلبه البكاء، فهذا يُعْتبر خارجًا عن الصلاة، فيؤثر فيها، كالحال بالنسبة لرَدِّ السلام، وأيضًا الرد على العاطس، ونحو ذلك.

فَهَذِهِ مَسائلُ يَخْتلفون فيها، كما يَخْتلفون كما ذكرنا في التأوُّه والأنين، فمنهم مَنْ يرى أنه لا تأثير له إن لم يبن حرفان، ومنهم مَنْ يرى أنه يؤثر في الصلاة؛ لأنه لم يَرِدْ في ذلك دليلٌ يستدل به.


(١) "آه": كلمة تقال عند الشكاية أو التوجع والتحزن. و"الأواه": الموقن بالإجابة أو الدعاء، أي: كثير الدعاء، وانظر: "تاج العروس" للزبيدي (٣٦/ ٣٣٠).
(٢) يُنْظَر: "المغني" لابن قدامة (٢/ ٤١)، حيث قال: "قال القاضي: التأوُّه ذكرٌ، مدح اللَّه تعالى به إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- فقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}، والذكر لا يُفْسد الصلاة، ومدح الباكين بقوله تعالى: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}، وقال: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ}، وَرُوِيَ عن مطرف بن عبد اللَّه بن الشِّخّير عن أبيه، أنه قال: "رأيت رَسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي، ولصدره أزيز كأزيز المِرْجَلِ من البكاء".

<<  <  ج: ص:  >  >>