للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما عن رد السلام بالنسبة للمصلي؛ فما حكمه؟

لا شك أن الكلام في الصلاة كان جائزًا مطلقًا، ولذلك جاء في حديث زيد بن أرقم أنه قال: "كنَّا نَتَكلَّم فِي الصلاة، يُكلِّم أَحدُنَا صَاحبه إلى جنبه حتى نزل قَوْله تعالى: {. . . وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (٢٣٨)} [البقرة: ٢٣٨]، فأُمِرْنا بالسُّكُوت" (١).

وفي روايةٍ زيادة لمسلم: "ونُهِينَا عن الكلام" (٢).

فكان الكلام مطلقًا جائزًا في أول الأمر، ولذلك استغرب يعلى بن أمية، عندما رد على الذي عطس في الصلاة، فأنكر عليه الصحابة -رضي اللَّه عنهم- (٣)، كَذَلك جاء في حديث عبد اللَّهِ بن مسعود أنه قال: كنَّا نُسلِّم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يصلي قبل أن نذهب إلى النجاشي، فلمَّا رجعنا، سَلَّمنا على رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلَمْ يردَّ علينا، فَسَألوا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذَلكَ، فقال: "إنَّ في الصلاة لشُغْلًا" (٤).

وَفِي حَدِيثِ يَعْلى بن أُميَّة بعد أن عطس الرجل، فقال: يَرْحمك اللَّه، ثم أنكرَ عليه القوم، فدَعَاه رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد ذلك، ثمَّ قال له في آخر الحديث: "إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هي


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) يشير الشارح إلى ما أَخْرَجه مسلم (٥٣٧)، عن مُعَاوية بن الحكم السُّلمي، قال: بينا أنا أُصلِّي مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك اللَّه، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلي؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فواللَّه، ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"، وهو عن معاوية بن الحكم السلمي -رضي اللَّه عنه-، وليس عن يعلى بن أمية.
(٤) أخرجه البخاري (١١٩٩)، ومسلم (٥٣٨)، ولفظه: "إِنَّ فِي الصَّلاة لشغلًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>