للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنَ العُلَماء مَنْ يرى: أنه يؤخِّر ذلك إلى ما بعد الصلاة، فيرد عليه (١).

وَبَعْض العُلَماء يُفصِّل القول في ذلك؛ لأنه ربما يسلم عليه إنسانٌ يجهل الحكم، فَيَظن أنه بتَرْك الردِّ عليه، يترك ذلك أثرًا في نفسه؛ وهذا حصل مع عبد اللَّه بن مسعودٍ؛ لأنهم كانوا يسلمون على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما عادوا من عند النجاشي، سلَّم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يردَّ علَيه، فوقع في نفسه شَيءٌ، فسأل رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فقال: "إنَّ فِي الصلاة لشغلًا".

إذن؛ لا يَنْبغي لمسلمٍ أن يرد السلام في الصلاة؛ لأن السلام كلام، فلا ينبغي أن يحصل منه، فإن سلم عليه أحدٌ فليرد إشارةً، إما بيده، وإما أن يُشير كذلك بإصبعه، أو أن يؤجل ذلك إلى ما بعد الصلاة، وذلك وَرَد عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-.

* قوله: (فَرَخَّصَتْ فِيهِ طَائِفَةٌ، مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، وَالحَسَنُ بْنُ أَبِي الحَسَنِ البَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ) (٢).

لأنَّهم يَرَون أن ذلك من الذِّكْر، فلا يمنع؛ وهؤلاء يستدلون بقول اللَّه تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦]، وقوله


(١) روي هذا عن عطاء والثوري.
وانظر: "المجموع" للنووي (٤/ ١٠٥)، حيث قال: "وحكى الشيخ أبو حامد عن عطاء والثوري أنهما قالا: يرد بعد فراغ صلاته؛ سواء كان المسلم حاضرًا أم لا، ورُوِيَ عن أبي الدرداء. وقال النخعي: يرد بقلبه، واللَّه أعلم".
(٢) يُنظر: "الاستذكار" لابن عبد البَر (٢/ ٣٣٨)، حيث قال: "قد رُوِيَ عن طائفةٍ من التابعين -منهم الحسن وقتادة- أنهم أجازوا أن يرد السلام كلامًا وهو يصلي. وَقَالَ مَنْ ذهب مذهبهم من المتأخرين السالكين سبيل الشذوذ: إنَّ الكلام المنهي عنه في الصلاة هو ما لا يحتاج إليه في الصلاة، وأما ردُّ السلام، فَهو فرضٌ على من سلم عليه في الصلاة وغيرها، فمَنْ فَعَل ما يجب عليه فعله، لم تفسد صلاته".

<<  <  ج: ص:  >  >>