للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرَغِ من صَلَاتِهِ قال: "إنه لَمْ يمنعني من أن أردَّ عليك إلا أنِّي كنت أُصلِّي" (١).

إذن؛ تَبينَّا من هَذَا أن ردَّ السلام كان في أوَّل الأمر جائزًا؛ وأنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سلَّم عليه أصحابه بعد ذلك، فلَمْ يردَّ عليهم، وبين في بعض الأحاديث كحديث بن مسعود أنه قال: "إنَّ فِي الصلاة لشغلًا".

وجاء في حديثٍ آخَرَ: أنه رد إشارةً بإصبعه.

وفي حديثٍ أيضًا: أنه رد إشارةً بيده.

وأيضًا جاء أن الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يردَّ، وأن ردَّه جاء بعد الصلاة.

ولذَلكَ، اختلف العلماء في هذه المسألة:

فمنهم مَنْ يرى -وهُمْ جَماهير العلماء- أنه لا يجوز أن يرد المصلي فى صلاته لفظًا؛ فإن فعلَ، بطلت صلاته.

فلو أن إنسانًا مرَّ بالمُصلِّي فسلم عليه، فقال: السلام عليكم؛ فرد فقال: وعليكم السلام، فإنَّ صلاته تبطل عند جماهير العلماء؛ لكنه إن رد عليه إشارةً، فلا تَبْطل عند هؤلاء تَمسُّكًا بما ذكرنا من بعض الأدلة (٢).


(١) أخرجه البخاري (١٢١٧)، ومسلم (٥٤٠).
(٢) هَذَا مَذْهب المالكية، وانظر: "الشرح الصغير" للدردير (١/ ٣٤١، ٣٤٢)، حيث قال: " (و) كره (إشارة للرد) برأس أو يد (على مشمت) شمته وهو يُصلِّي إذا ارتكب المكروه، وحمد لعطاسه، وأما الرد بالكلام فمبطل، وأما رد السلام بالإشارة على مسلم عليه، فمطلوب".
ومَذْهب الشافعية، يُنظر: "تحفة المحتاج" للهيتمي (٢/ ١٤٨)، حيث قال: "ويُسَنُّ لمصلٍّ عطس أو سلم عليه أن يحمد بحيث يسمع نفسه، وأن يرد السلام بالإشارة باليد أو بالرأس، ثم بعد سلامه منها باللفظ".
وَمَذْهب الحنابلة، يُنظر: "الإقناع" للحجاوي (١/ ١٣٠)، حيث قال: "ويُكْرَه السلام على المصلي، والمذهب لا، وله رده بإشارة، فإن رده لفظًا، بطلت، ولو صافح إنسانًا يريد السلام عليه، لم تبطل".

<<  <  ج: ص:  >  >>