للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موضعه، وهذا هو الحق الذي ينبغي أن يسلكه كلُّ طالب علم، ولا ينبغي أن نتبع الرجال على أسمائهم، هذا قول فلان آخذ به وأسلم، إذا كان الأمر كذلك فينبغي أن تأخذ بأقوال الصحابة، وتقف أيضًا عند قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا تتجاوزه، لكن إذا تردد الأمر بين ذلك فليست القضية هذا قول فلان، أعرض دائمًا أي قول على الأدلة، فما كان موافقًا للأدلة أو إليها أقرب فخذ به، هذا إن كنت من أهل هذا الفنِّ، من القادرين على الموازنة والتعمق (١) والغور (٢) في نصوص الفقه الإسلامي، أمَّا إذا لم يكن المرء من أولئك فلا ينبغي حقيقة أن يجتهد في مثل هذه المسائل، هذا إذا كان في مسائل الفروع، فما بالك بمَن يجتهدون في مسائل العقيدة، فيتجرؤون ويكفرون بعض المسلمين، ويحكمون عليهم بالخطإ وبالفسق، وهم يجهلون تلك الأحكام، تجد أنَّه حفظ حديثًا أو آيات وأحاديث، فبعد ذلك ينصِّب نفسه عالمًا وينبري لهؤلاء، وربما يجهل أفذاذ العلماء وجهابذتهم، وهو نفسه العالم في الميدان. فهذا خطأ كبير، ينبغي أن ننتبه له.

ونحن عندما نتعلم مثل هذه العلوم وجب علينا أن نستفيد من سيرة العلماء السابقين، ومن أراد أن يعرف ذلك فليدرس حياة العلماء الأعلام الذين عنوا وأفنوا وقضوا حياتهم في خدمة دين اللَّه، سواء كان في أمور العقيدة، أو في أمور الفروع، أو في غيرها، فهم قد قضوا حياتهم خدمةً لهذا الدين، ولم يحملهم التعصُّب الأعمى على الخروج عن الحقِّ، ولم يعرف أن أحدًا سلك طريق التعصب إلَّا ووقع في الخطإ، وما عرف أن أحدًا ارتكب طريق الهوى إلَّا وقد وقع في الذَّلل، واللَّه تعالى يحذِّر من الهوى، ويقول لنبيه داود عليه السلام: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: ٢٦]، وحاشاه أن


(١) التعمق والمتعمقون مثل التنطع وهو البعيد الغور في كلامه الغالي في مقاصده. "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (٢/ ٨٧).
(٢) غور كل شيء: قعره. يقال: فلان بعيد الغور. يُنظر: "الصحاح" للجوهري (٢/ ٧٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>