للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوحي، لكنَّه في النهاية بشر، وقام من اثنتين أيضًا إلى الثالثة ولم يجلس التشهد الأول (١)، فما بالكم بغيره؟ وما بالكم بمن تشغلُهُم أمور الدُّنيا وهواجسها (٢)، وأحوال الأولاد، وما يتعلَّق بالمال، والضرب في الأرض، وهذه أمور ربما تعرض للمصلِّي في صلاته، وربما تمرُّ به قربات أو مصائب، فتجد أنَّ باله قد انشغل بها في الصلاة؛ لأنَّها أمور تسيطر عليه فينسى، وربما لا يدري ماذا يقرأ الإمام، وهذا قد يحصل لبعض الناس، وإن كان هذا حقيقة يرجع إلى خشوع المرء، فكلما كان الإنسان مرتبطًا بالصلاة خاشعًا ذليلًا للَّه -سبحانه وتعالى- فلا شكَّ أنَّ الشيطان سيبتعد عنه، ولا يسيطر عليه، وقد تجد بعض المصلين وهو في صلاته كأنَّه في السوق، إلَّا أنَّه لا يلتفت، يشتغل ويتكلم وإذا كان معه ساعة يحركها يخلعها وينزلها، ويقوم بحركات كثيرة جدًّا، ومعلومٌ أنَّ من العلماء من يرى بطلان الصلاة بهذه الكيفية، ومنهم من يحدِّد الحركات، فلننتبه لمثل هذه الأمور (٣).


(١) أخرجه البخاري (٨٢٩)، ومسلم (٥٧٠). عن عبد اللَّه بن بحينة، قال: "إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين لم يجلس، فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم".
(٢) هواجسها: ما يرد على العقل من الأفكار عفوًا، ثم يستقرُّ في النفس هنيهة ويخرج". انظر: "معجم لغة الفقهاء" لمحمد رواس قلعجي وحامد صادق قنيبي (٤٩١).
(٣) لمذهب الحنفية، يُنظر: "تبيين الحقائق" للزيلعي (١/ ١٥٥). حيث قال: "وإنما عفي عن القليل من العمل، لأن أصله لا يمكن الاحتراز عنه؛ لأن في الحيِّ حركات ليست من الصلاة طبعا فعفي ما لم يكثر ويدخل في حدِّ ما يمكن الاحتراز عنه".
ومذهب المالكية، يبطلها العمل الكثير، ويُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (٢/ ٣٢). حيث قال: "وأما ما سوى الحية والعقرب من طير أو صيد أو ذرة أو حدأة أو نحلة أو بعوضة فلا خلاف أن قتل شيء منها في الصلاة مكروه ولا ينبغي فإن فعل لم تبطل الصلاة إلا بما فيه شغل كثير".
مذهب الحنابلة يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٢/ ١١). حيث قال: "ولا بأس بالعمل اليسير في الصلاة للحاجة. . . ولا تبطل الصلاة بجميع ذلك إلا أن يتوالى ويكثر".
وعند الشافعية الثلاث كثير إن توالت، يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (١/ ٤١٨). =

<<  <  ج: ص:  >  >>