للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك وضع العلماء القاعدة المعروفة: "إذا اجتمع أمران من جنس واحد، ولم يختلف مقصودهما، دخل أحدهما في الآخر غالبًا" (١)، وبعضهم عبَّر عنها بتعبير أدقّ فقال: "إذا اجتمعت عبادتان من جنسٍ في وقت ليسَت إحداهما مفعولة على جهة القضاء، ولا على طريق التَّبعية للأخرى؛ تداخلت أفعالهما واكتفيا فيهما بفعل واحد" (٢).

بيان ذلك؛ فالمراد أنَّ الإنسان قد يأتي في وقت يضيق عليه الأمر، فيقول: ما موعد العبادتان؟ لو دخلت المسجد فأنت مطالب -سنةً لا واجبًا- بأن تؤدي تحية المسجد؛ فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا دخلَ أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" (٣)، فلو دخلت وقد أُقِيمَت الصلاة هل تجلس وتصلي ركعتين؟ أو تدخل مع الإمام؟ ستدخل مع الإمام، إذًا لم تصلِّ تحية المسجد، فهل دخلت أيضًا فكفت عنها الفريضة؟ نعم؛ لأنَّه اجتمعت عبادتان من جنسٍ، لأنَّ كُلَّ واحدة منهما صلاة، ليست إحداهما مقضية؛ فليست صلاة الظهر منسية، وأنت لا تؤدي صلاة ظهر، فهذه لا تتداخل، وليست تبعًا للصلاة التي تؤديها كالسنن الرواتب، فإنَّها لا تكفي عنها الفريضة، بل لا بدَّ أن تؤدِّيَها، إذًا هذا تتداخل كما مر.

وكذلك الحال في الحجِّ، فلو أنَّك أخَّرت طواف الزيارة، (طواف الإفاضة) إلى آخر الوقت، ثم ذهبت، فكان آخر عهدك بالبيت طواف الإفاضة؛ فإنَّه يغنيك عن طواف الوداع، فهنا تداخلت (٤).


= وخلافًا للشافعية والحنابلة فعندهم لو نواهما بتكبيرة واحدة لم يصحَّ. ويُنظر "تحفة المحتاج" للهيتمي (٢/ ٣٦٥). حيث قال: (فإن نواهما)، أي: الإحرام، والركوع (بتكبيرة) واحدة اقتصر عليها (لم تنعقد) صلاته (على الصحيح) ".
ويُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (١/ ٤٦١). حيث قال: " (فإن نواهما)، أي: نوى المدرك في الركوع الإحرام والركوع (بالتكبيرة لم تنعقد) صلاته".
(١) يُنظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (١٢٦).
(٢) يُنظر: "قواعد ابن رجب" (٢٣).
(٣) أخرجه البخاري (٤٤٤).
(٤) لمذهب الحنفية، يُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (٢/ ١٧٦). حيث قال: "فإن منع =

<<  <  ج: ص:  >  >>