للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرواية الأخرى ليست على شرطه، ولذلك جاء بها معنونًا للباب، وهي في "صحيح مسلم"، وجاء باللفظ الذي توفرت فيها شروطه: "من أدرك ركعة من الصلاة؛ فقد أدرك الصلاة".

هذه من القواعد التي ينبغي أن يقف عندها دارس الحديث والفقه، وهذا يدلُّ على سعَة علم أولئك العلماء؛ ومن بينهم الإمام البخاري، وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدلُّ على سعة اطِّلاعه، وعميق فقهه؛ لأنَّه قد جاء بالحديث الذي ليس على شرطه، فجعله ترجمة ليُستفاد به؛ ثم جاءَ بالحديثِ الذي توفَّرتَ فيه شروطه التي وضعها، فساقه بسنده، وهو: "مَن أدرك ركعةً من الصلاة؛ فقد أدرك الصلاة".

وهذه قضايَا كثيرة، وإنَّما ننبه على بعض الأشياء التي فيها فائدة.

* قوله: (فَمَنْ كَانَ اسْمُ الرَّكْعَةِ يَنْطَلِقُ عِنْدَهُ عَلَى القِيَامِ وَالِانْحِنَاءِ مَعًا، قَالَ: إِذَا فَاتَهُ قِيَامُ الإِمَامِ فَقَدْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ).

يُرَد على هذا بأنَّه وإن فات المأموم قيام الإمام، ولكنَّه قام أيضًا،


= فيها عن نظرائه واشتهر بتحقيقه لها عن قرنائه. وقال في الفتح أيضًا: (١/ ١٣) "وإنما بلغت هذه الرتبة وفازت بهذه الخطوة لسبب عظيم أوجب عظمها، وهو ما رواه أبو أحمد بن عدي عن عبد القدوس بن همام قال شهدت عدة مشايخ يقولون حول البخاري تراجم جامعه، يعني: بيضها بين قبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومنبره وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين".
ثم فصل القول فيها في مقدمة كتابه "فتح الباري" (١/ ١٣ - ١٤) -وأنا أذكره باختصار مع تصرف-، فقال: إن منها ما يكون دالًا بالمطابقة كما يورده تحتها من أحاديث، وقد تكون الترجمة بلفظ المترجم به أو بعضه أو معناه، وكثيرًا ما يترجم بلفظ الاستفهام حيث لا يجزم باحد الاحتمالين، وكثيرًا ما يترجم بأمر لا يتضح المقصود منه إلا بالتأمل، وكثيرًا ما يترجم بلفظ يومئ إلى معنى حديث لم يصح على شرطه، أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصحَّ على شرطه صريحًا في الترجمة، ويورد في الباب ما يؤدي معناه، تارةً بأمر ظاهر وتارةً بأمر خفي، وربما اكتفى أحيانًا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث لم يصحَّ على شرطه وأورد معه أثرًا أو آية، فكأنه يقول لم يصحَّ في الباب شيء على شرطه. لهذه الأمور وغيرها اشتهر عن جمع من الفضلاء ما أوردناه سلفًا: "فقه البخاري في تراجمه".

<<  <  ج: ص:  >  >>