للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالصلاة فيها سعادة المؤمن، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وفيها فلاح المؤمن؛ فينبغي للمؤمن أن يتأثر بهذه الصلاة، بمعنى أن ينعكس ذلك على سلوكه داخل المسجد وخارجه؛ لأنه ينبغي أن يكون أمينًا في كل أعماله، فما دمت تُصلي للَّه سبحانه وتعالى استجابةً لدعوته ونزولًا عند أحكامه فينبغي لك أيضًا أن تعمل بكل أحكام اللَّه سبحانه وتعالى التي أمرك بأن تقوم بأدائها وأن تبتعد عما نهاك اللَّه سبحانه وتعالى عنه من المحرمات والمنهيات، هذا هو شأن المؤمنين.

فإن المؤمنين إذا دعوا إلى اللَّه ورسوله ليحكم بينهم ما يترددون بل يقولون: (سمعنا وأطعنا!) وهذا شأن المؤمنين، وهكذا كان أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

فإننا نجد أن من أحكام الشريعه الإسلامية من لم يُشرَّع جملة واحدة؛ إنما نزلت هذه الشريعة في أمة مشركة، قد تضلعت في كثير من الأمور (١)، وانغمسوا في الشركيات، فجاء الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ليُنقِّي نفوسهم، وليستلهم من سخائم (٢) الشرك والوثنية إلى دين اللَّه سبحانه وتعالى، فدعاهم بالحكمة والموعظة الحسنة، وظل معهم في ذلك سنين عديدة.

ونجد أيضًا أن بعض الأحكام لم تنزل دفعة واحدة بالنسبة للتحريم، فإنه بالنسبة للخمر مثلًا نزل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: ٢١٩].

فمن الصحابة من تركها، لأنهم قالوا: لا حاجة لنا بما فيه إثم.

ثم جاءت آية أُخرى وهي قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣]. فقالوا: نبتعد عما يؤثر علينا في صلاتنا، وهذه المرحلة الثانية.


(١) أي: غلبت. يقال: قد أضلعني الأمر: إذا غلبني واشتدَّ عليَّ. انظر: "الزاهر في معاني كلمات الناس"، للأنباري (١/ ٣٢٣).
(٢) السخائم: جمع سخيمة، وهو: الحقد في القلب. انظر: "جمهرة اللغة"، لابن دريد (١/ ٥٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>