للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم جاءت آية المائدة التي حسمت كل شيء: قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)} [المائدة: ٩٠، ٩١]. فقال المؤمنون: "انتهينا انتهينا" (١).

إذن؛ المؤمنون الذين كانوا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هم موصوفون بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)} [الأنفال: ٢ - ٤].

هؤلاء هم المؤمنون حقًّا الذين إذا دعوا إلى اللَّه ورسوله يقولون: (سمعنا وأطعنا!).

ولذلك يقول اللَّه: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} ويقول العلماء: إن قوله: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} أبلغ من قول: (انتهوا!)؛ لأن فيه استفهامًا، والقصد من ذلك تأكيد هذا الحكم وترسيخه في نفوس المؤمنين بأن يقلعوا عنه (٢).

ولما كان المؤمنون سريعي الاستجابة لأوامر اللَّه سبحانه وتعالى ولأوامر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهم يدركون معنى قول اللَّه سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا


(١) أخرج الترمذي (٣٠٤٩) وغيره عن عمر بن الخطاب، أنه قال: "اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء، فنزلت التي في البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء، فنزلت التي في النساء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، فدعي عمر فقرئت عليه، ثم قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء، فنزلت التي في المائدة: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}، إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فدعي عمر فقرئت عليه فقال: انتهينا انتهينا". وصححه الألباني.
(٢) فكأنه قيل: أتفعله بعدما قد ظهر من قبحه ما ظهر، فصار المنهي بقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} في محل قد عقد عليه ذلك بإقراره، فكان هذا أبلغ في باب النهي من أن لو قيل: انتهوا ولا تشربوا. انظر: "التفسير البسيط"، للواحدي (٧/ ٥١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>