للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَحَمَلَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الَّذِي يَغْلِبُ عَلَيْهِ الشَّكُّ، وَيَسْتَنْكِحُهُ، وَذَلِكَ مِنْ بَابِ الجَمْعِ، وَتَأَوَّلَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى أَنَّ المُرَادَ بِالتَّحَرِّي هُنَالِكَ هُوَ الرُّجُوعُ إِلَى اليَقِينِ؛ فَأَثْبَتَ عَلَى مَذْهَبِهِ الأَحَادِيثَ كُلَّهَا (١)).

أي: ذاك على من لم يستنكحه الشك؛ أي: لم يخالطه، وهذا على من يستنكحه الشك؛ أي: يخالطه. هذا هو كما نبهت؛ أي: قصدهم بالتحري؛ لأن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه فليتحرى الصوابَ" (٢). فهنا نصَّ على الصواب؛ أي: يتحرى أن هذا هو الصواب، فإن أصابه عمل به، وإن ظل مترددًا بنى على اليقين، هكذا يتأول الجمهور هذا الدليل.

وأما الذين قالوا بالتحري: فإنهم يجعلون التحري في معرفة الصواب درجة أعلى من الشك والشك دونها، فالشك ينزل عن تحري الصواب فيغلب على ظنك أن هذا هو الصواب ولا تتيقنه، وإنما غلب على ظنك، فهي درجة أعلى من درجة الشك، ولذلك قالوا: يبني على ما غلب عليه ظنه.

* قوله: (وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الجَمْعِ بَيْنَ بَعْضِهَا وَإِسْقَاطِ البَعْضِ وَهُوَ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلِ المُرَجَّحِ عَلَيْهِ: فَأَبُو حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ إِنَّمَا هُوَ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ظَنٌّ غَالِبٌ يَعْمَلُ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى الَّذِي عِنْدَهُ ظَنٌّ غَالِبٌ (٣)، وَأَسْقَطَ حُكْمَ حَدِيثِ


(١) انظر: تأويل مالك لهذه الأحاديث في "التمهيد"، لابن عبد البر (٧/ ٩١ - ٩٢).
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) انظر: "التنبيه على مشكلات الهداية"، لابن أبي العز الحنفي (٢/ ٧٠٧)، وفيه قال: "أو يكون حديث ابن مسعود الصحيع فيما إذا كان له ظن، وحديث أبي سعيد فيما إذا لم يكن له ظن، فإن في حديث ابن مسعود: "فليتحر الصواب"، وهذا فيما إذا كان له ظن، وحديث أبي سعيد: "فليطرح الشك وليبن على ما استيقن"".

<<  <  ج: ص:  >  >>