للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه أن يتحرى الصواب؛ أي: أن يتذكر أن الحق هو هذا، فيردون حديث ابن مسعود إلى حديث أبي سعيد (١).

والآخرون يقولون -الذين قالوا بالتحري- في حديث أبي سعيد في أمر الشك: الشك قائمٌ فهو متردد بين الأمرين يبني على اليقين، لكن هناك شك فتحرى الصواب فغلب على ظنه أحد الجانبين فيعمل به، لكن في حالة تساوي الشك يحصل عنده وهمٌ حينئذ يبني على اليقين لأنه الأحوط (٢).

* قوله: (فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الجَمْعِ فِي بَعْضٍ، وَالتَّرْجِيحِ فِي بَعْضٍ مَعَ تَأْوِيلِ غَيْرِ المُرَجَّحِ، وَصَرْفِهِ إِلَى المُرَجَّحِ: فَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ (٣)، فَإِنَّهُ حَمَلَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَلَى الَّذِي لَمْ يَسْتَنْكِحْهُ الشَّكُّ).

قصد بقوله: "يستنكحه الشك"؛ أى: يخالطه الشك، لأن معنى: تناكحت الأشجار؛ أي: تعانقت وانضم بعضها إلى بعض أو اختلط بعضها ببعض، فمادة (نكح) إنما فيها معنى المخالطة (٤)، وهذا أمر معروف حتى في المصطلح الشرعي.


(١) قال النووي: "وأما الشافعي فجمع بين الأحاديث كلها ورد المجمل إلى المبين، وقال: البيان إنما هو في حديث أبي سعيد وعبد الرحمن بن عوف، وهما مسوقان لبيان حكم السهو، وفيهما التصريح بالبناء على اليقين والاختصار على الأقل ووجوب الباقي، وفيهما التصريح بأن سجود السهو قبل السلام وإن كان السهو بالزيادة. وأما التحري المذكور في حديث ابن مسعود فالمراد به بناءً على اليقين. قال الخطابي: حقيقة التحري طلب أحرى الأمرين وأولاهما بالصواب، وأحراهما ما ثبت في حديثي أبي سعيد وعبد الرحمن من البناء على اليقين لما فيه من يقين إكمال الصلاة والاحتياط لها". انظر: "المجموع شرح المهذب" (٤/ ١١٠).
(٢) قال ابن قدامة: "فعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد على من استوى عنده الأمران، فلم يكن له ظن وحديث ابن مسعود على من له رأي وظن يعمل بظنه جمعًا بين الحديثين وعملًا بهما فيكون أولى؛ ولأن الظن دليل في الشرع فوجب اتباعه كما لو اشتبهت عليه القبلة". انظر: "المغني" لابن قدامة (٢/ ١٤).
(٣) وكذا الحنابلة كما سبق.
(٤) تَناكَح الأشجار: إِذا انضمَّ بعضُها إِلى بعض، ونَكَح المطرُ الأرضَ، إِذا اختلَط في ثَراها. انظر: "تاج العروس"، للزبيدي (٧/ ١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>