للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليوم والليلة فرد الرجل فقال: يا رسول اللَّه، والذي بعثك بالحق، هل عليَّ من غيرها؟ قال: "لا، إلا أن تتطوع فقال الرجل: واللَّه، لا أَزيد على هذا، ولا أنقص، فَقَال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَفْلحَ إنْ صدَق" (١).

وُجُوهُ الدلَالة من هذا الحديث:

هذا الحديث حقيقة لو حللنا ألفاظه، لَوَجدنا فيه عدة أدلة:

أولًا: أن الرجلَ سأل فقال: ماذا فرض اللَّه عليَّ من الصلوات؟ فهو قَدْ سألَ عن المفروض لا غير، فجاء جَوابُ الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: خمس صلوات، فدلَّ على أن المفروضَ خمسٌ، وإذا كانت المفروضة خمسًا، فهي الواجبة، وما عداها فليسر بواجبةٍ، هذا هو الدليل الأول من الحديث. . وهو مفهومٌ واضحٌ لا شك.

ثانيًا: قَوْل الرجل: هل عَليَّ غيرها؟ قال: "لا"، دليل آخر؛ هو كالتأكيد للأول؛ كأنه قال: هل يجب عليَّ غيرها؟ قال: "لا".

ثالثًا: قوله عليه الصلاة والسلام: "إلا أن تطوع"، دليل ثالث، فقد دلَّ على أن ما زاد عن الخمس تطوعٌ، وليس بواجب.

رابعًا: من قول الرجل: "واللَّه، لا أزيد على هذا، ولا أنقص"، هو سأل عن عدة أشياء، منها: الزكاة والصيام، لكن كلامنا إنَّما هو عن الصلاة؛ لأنَّ الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ ينكر عليه قوله هذا، بل قال: "أفلح إن صدق"، فقَدْ أثبت الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- له الفلاح، لكنَّه قيده بالصدق، مع أنه يريد ألا يزيد على هذه الأمور المذكورة -ومنها خمس صلوات- فدلَّ ذلك على أن الوتر ليس بواجبٍ؛ لأنه لو كان واجبًا لبيَّنه الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، لا سيَّما والرجل أعرابي جاء أشعث من قِبَلِ نجدٍ يسأل عن أحكام الإسلام، من أشدِّ الناس حاجةً إلى بيان الحكم، والقاعدة أن "تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز" (٢).


(١) أخرجه البخاري (٤٦) ومسلم (١١/ ٨).
(٢) ذكرت هذه القاعدة في أكثر من موضعٍ. وانظر: "اللمع" للشيرازي (ص ٥٣، ٥٤)، و"المستصفى" للغزالي (٢/ ٤٠ - ٤٧)، وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>