للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" (١).

فهذه منحةٌ عظيمةٌ من اللَّه، فإذا وُفِّق العبد بأن قام في هذا الوقت، وسأل اللَّه سبحانه وتعالى بقلبٍ صادقٍ، قَامَ خاشعًا مؤمنًا خاضعًا ذليلًا مطرحًا بين يدي اللَّه سبحانه وتعالى يرجو رحمته، ويخشى عقابه، لا يخشى إلا اللَّه، ولا يرجو إلا إياه، فاللَّه سبحانه وتعالى لن يُخيِّبه، ولن يردَّ رجَاءه، بل سيُكَافئه على ذلك العمل، ويُعْطيه الجَزَاء الأَوْفَى.

هَذَا مقامٌ يَنْرْل فيه ربنا سبحانه وتعالى، ونزولُهُ تَعَالَى على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى وعظمته، وليس كما يدَّعي المُدَّعون من الذين يُحرفون صفات اللَّه سبحانه وتعالى، وينفونها فيتأولونها بغير ظواهرها، بل هو نزول حقيقي لا نعرف كيفيَّته، كما قال الإمام مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في الاستواء: "الاستواءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ، والإيمانُ به واجبٌ، والسؤالُ عنه بدعةٌ" (٢).

فنحن نؤمن بأنَّ اللَّه سبحانه وتعالى ينزل حين يبقى ثلث الليل الآخر؛ إذ أخبرنا عن ذلك مَنْ لا ينطق عن الهوى، وقد زكاه اللَّه سبحانه وتعالى، وبيَّن صدقه، واختاره لتبليغ رسالته إلى الناس كافة، فاختاره على العالمين جميعًا، فَهُوَ رسول اللَّه إلى خلقه، هو الذي بلَّغ دين اللَّه إلى هذه الأمة، قال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٧٩)} [النساء: ٧٩]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢٨)} [سبأ: ٢٨].


(١) أخرجه البخاري (١١٤٥) ومسلم (٧٥٨/ ١٦٨) عن أبي هريرة.
(٢) أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٦/ ٣٢٥) وغيره عن جعفر بن عبد اللَّه، قال: كنا عند مالك بن أنس، فجاءه رجل، فقال: يا أبا عبد اللَّه، الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ فما وجد مالك من شيءٍ ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض وجعل ينكت بعودٍ في يده حتى علاه الرحضاء (يعني: العرق) ثمَّ رفع رأسه، ورمى بالعود وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة، وأمر به فأخرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>