للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه، ولم يكن وعظًا مجردًا بمنزلة السياط تنفض الغبار عنه، وربما تؤلمه قليلًا، ثمَّ يزول أثرها، وربما أثَّرت في الجسم، لكنه إذا ابتعد نَسِيَ.

وَالمَواعظُ قد تُؤثِّر فِي بعض الناس؛ فَيُوفقهم اللَّه سبحانه وتعالى للخير، فتجد أن الكلمات الطيبة تَنْفذ إلى قلوبهم، فتَسْتقر بها، ثم تثبت فيها، فيظهر أَثرُهَا في تصرُّفاتهم وأعمَالهم، وقَدْ تؤثر في بعضهم تأثيرًا قليلًا، ثم تذهب، وبعض الناس لا تؤثر فيهم.

وفي قصة الرجل الذي بَالَ أيضًا في المسجد، بيان انتفاعه بكلمات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَعَنْ أبي هريرة أن أعرابيًّا دخل المسجد ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالسٌ، فصلَّى. قال ابن عبدة: ركعتين، ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا، فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد تَحجَّرت واسعًا"، ثمَّ لم يلبث أَنْ بالَ في ناحية المسجد، فأسرع الناس إليه، فَنهَاهم النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: "إنَّما بُعِثْتم مُيسِّرين، ولَمْ تُبْعَثوا مُعسِّرين، صبُّوا عليه سجلًّا من مَاءٍ"، أو قال: "ذَنوبًا من مَاءٍ" (١).

وهَذِهِ الأمورُ مُدوَّنةٌ للعبد يجدها في كِتَابٍ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً، أفعال الخير -وفي مقدمتها إخلاص العبادة للَّه سبحانه وتعالى- وتَعْليم الجاهل، وتقويم المعوج (٢) إلى طريق الخير والاستقامة، هي السعادة كل السعادة، وليست السَّعَادة والراحة في الانتقام والتشهير بالمؤمن.

لم يُعْرف عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قابل إنسانًا بأَمْرٍ من الأُمُور يكرهه، فعَنْ أنس بن مَالِكٍ، عَنْ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان عنده رجلٌ به أثر صُفرةٍ، قال: وَكَان رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يَكَاد يواجه أحدًا بشَيْءٍ يكرهه، فلما قام قال للقوم: "لَوْ قُلْتم له يدع هذه الصُّفْرة" (٣).


(١) أخرج البخاري (٦٠١٠) منه إلى قوله: "لقد حجرت واسعًا"، وأَخْرَجه كاملًا أبو داود (٣٨٠) وغيره، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "صحيح أبي داود" (٨٢٥).
(٢) "المعوج": المحرد من كل شيءٍ. و"تحريد الشيء": تعويجه. انظر: "تاج العروس" للزبيدي (٨/ ٢٠).
(٣) أخرجه أبو داود (٤١٨٢) وغيره، وضَعَّفه الأَلْبَانيُّ في "الضعيفة" (٤٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>