للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه، رفيقًا بالناس، وهذا هو منهج رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ يَقُولُ اللَّهُ تَعالَى عنه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩)} [آل عمران: ١٥٩].

ويَقُولُ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [الأعراف: ١٩٩].

ويَتَجلَّى ذلك فِيهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا جاءه شابٌّ، فَقَال: يا رسول اللَّه، ائذن لي في الزنا! حتى هَمَّ به الصحابة، فماذا فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: "مَهْ"، فَقَال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أقروه ادن"، فدنا حتى جلس بين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتحبُّه لأُمِّك؟ "، قال: لا. قال: "وَكَذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبُّه لابنتك؟ "، قال: لا. قال: "وَكذلك الناس لا يُحبُّونه لبَنَاتهم، أتحبُّهُ لأُخْتك؟ "، قَالَ: لَا. قال: "وَكَذلك النَّاس لا يحبُّونه لأخواتهم، أتحبه لعمَّتك؟ ". قال: لا. قال: "وكذلك الناس لا يحبونه لعماتهم؟ أتحبه لخالتك؟ ". قال: لا. قال: "وَكذَلك الناس لا يحبونه لخالاتهم"، فَوَضع رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدَه على صدره، وقال: "اللَّهمَّ كفِّر ذنبَه، وطهِّر قلبَه، وحَصِّن فرجه" (١).

وفي روايةٍ: "فَاكرَه لهم ما تكره لنفسك، وأحبَّ لهم ما تحب لنفسك"، فقال: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يطهر قلبي، فوضع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يده على صدره فقال: "اللهمَّ اغفر ذنبَه، وطَهِّر قلبَه، وحَصِّن فرجه"، قال: فلم يكن بعد ذلك يلتفت إلى شيءٍ (٢).

ولَوْ أنَّ الإنسان كلما هَمَّ أن يُقْدم على معصيةٍ، وضع نفسه موضع ذلك، لربما رجع وعاد، فقد عالج رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الرجل بهذا الرفق وهذه الحكمة، فَكَره هذا الأمر، ونفذ وَعْظه الشَّريف -صلى اللَّه عليه وسلم- إلَى قَلْب الشَّابِّ، وأثَّر


(١) أخرجه أحمد (٢٢٢١١) وغيره، وصححه الأَلْبَانيُّ في "الصحيحة" (٣٧٠).
(٢) أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (١٠٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>