للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنِ اسْتَثْنَى خَاصَّ الصَّلَاةِ مِنْ عَامِّهَا رَأَى الرُّكُوعَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَمَنِ اسْتَثْنَى خَاصَّ الزَّمَانِ مِنْ عَامِّهِ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ.

وَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ مِثْلَ هَذَا التَّعَارُضِ إِذَا وَقَعَ فَلَيْسَ يَجِبُ أَنْ يُصَارَ إِلَى أَحَدِ التَّخْصِيصَيْنِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ لَا يُعَارَضُ بِهِ حَدِيثُ الْأَمْرِ الثَّابِتُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-، فَإِنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ وَجَبَ طَلَبُ الدَّلِيلِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ).

ركعتا الفجر اختُلف فيهما، فقيل فيهما: إنهما من الرغائب، وقيل: إنهما من السنن المؤكدة، وليس في الشريعة بعد الصلوات الخمس آكد من الوتر وركعتي الفجر، وقد يكون الترغيب في الشيء الواجب، لكن الفقهاء أوقفوا هذا اللفظ على ما تأكد من المندوب إليه.

إذا دخل المسجد، بعد أن صلى ركعتي الفجر في بيته، فهل يركعهما في المسجد؟ اختلف قول مالك فيه، وظاهر الحديث يقتضي الركوع. وقيل: إن الخلاف في هذا من جهة معارضة هذا الحديث للحديث الذي رووه من قوله -عليه السلام-: "لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر"، وهذا أضعف من المسألة السابقة، لأنه يحتاج في هذا إلى إثبات صحة هذا الحديث حتى يقع التعارض، فإن الحديثين الأولين في المسألة الأولى صحيحان، وبعد التجاوز عن هذه المطالبة وتقدير تسليم صحته يعود الأمر إلى ما ذكرناه من تعارض أمرين، يصير كل واحد منهما عامًّا من وجه وخاصًّا من وجه، وقد ذكرناه.

وإذا دخل مجتازًا فهل يؤمر بالركوع؟ خفف ذلك مالك، وعندي: أن دلالة هذا الحديث لا تتناول هذه المسألة، فإنا إن نظرنا إلى صيغة النهي، فالنهي يتناول جلوسًا قبل الركوع، فإذا لم يحصل الجلوس أصلًا لم يفعل المنهي، وإن نظرنا إلى صيغة الأمر، فالأمر توجه بركوع قبل الجلوس، فإذا انتفيا معًا لم يخالف الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>