للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم، قد صَحَّ ذلك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ -رضي اللَّه عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي المَسْجِدِ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: "قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ" (١).

فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يخرج على الناس لمَّا رأى إقبالهم والتزامهم وحرصهم على أن يُصلوا وراءه صلاة التراويح؛ خشية أن تُفرض عليهم تلك الصلاة، وشفقة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورحمته بأمته معلومة.

ولقد أثبت اللَّه له ذلك وزكَّاه سبحانه وتعالى مبيِّنا ما فيه من الرحمة؛ فقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨].

فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- برأفته ورحمته وشفقته بأمته خشي أن تُفرض عليهم تلك الصلاة، وربما لا يستطيعون القيام بها، وقد سُئل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن مسائل فقال: "لو قلت: نَعَم؛ لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم"، كما مرَّ بنا مثل ذلك في الحج عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا"، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ؛ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ"، ثُمَّ قَالَ: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ" (٢).

إذًا الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- تركها، لكنَّ عمر -رضي اللَّه عنه- ثبت أنه خرج ذات ليلة


(١) أخرجه البخاري (١١٢٩).
(٢) أخرجه مسلم (٣٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>