للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأعطى كل واحد من الصحابة -رضي اللَّه عليهم جميعًا- صفةً اختص بها، فأُبَيٌّ كان معروفًا بقراءته، فجمع عمر -رضي اللَّه عنه- الناس على أُبيٍّ، فكان يُصلي بهم.

ويُقال: إنَّه خرج ذات ليلة فرأى الناس مجتمعين، فقال: "نِعمت البدعة" (١).

وما فعله عمر -رضي اللَّه عنه- ليست من البدع، أو من الأمور التي أضافها وهي غير محمودة، بل هي من الأمور التي أصبحت سُننًا محمودة، مع أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعل ذلك قبله.

إذًا، التراويح سُنَّة (٢)؛ سنَّها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وفَعَلَها الصحابةُ


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ١١٤) عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه قال: "خرجتُ مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع مُتفرقون يُصَلِّي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط. فقال عمر: واللَّه إني لأراني لو جمعتُ هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، فجمعهم على أُبي بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أُخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نِعمت البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون، يعني آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله". وصححه الألباني في "صلاة التراويح" (ص ٤٩).
(٢) مذهب الحنفية، يُنْظَر: "الاختيار لتعليل المختار" لابن مودود الموصلي (١/ ٦٨) حيث قال: " (التراويح سُنَّة مؤكدة)؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أقامها في بعض الليالي، وبَيَّن العذر في ترك المواظبة، وهو خشية أن تُكتب علينا، وواظب عليها الخلفاء الراشدون وجميع المسلمين من زمن عمر بن الخطاب إلى يومنا هذا".
ومذهب المالكية، يُنْظَر: "التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب" لخليل (٢/ ٩٧) حيث قال: "والجَمَاعَةُ فِي التَّرَاوِيحِ مُسْتَحَبَّةٌ لِلعَمَلِ".
ومذهب الشافعية، يُنْظَر: "فتح العزيز بشرح الوجيز" للغزالي (٤/ ٢٥٦)، حيث قال: "التراويح خارجة عن الخَمْسِ، والجماعة مُستحبة فيها على الأصح". وانظر: "الإقناع في حِلِّ ألفاظ أبي شجاع" للشربيني (١/ ١١٧).
ومذهب الحنابلة، يُنْظَر: "مطالب أولي النُّهى" للرحيباني (١/ ٥٦٣)، حيث قال: " (وهي) سُنَّة مُؤكدة سَنَّها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وليست مُحدثة لعمر، ففي المتفق عليه من حديث عائشة: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّاها بأصحابه، ثم تركها خشية أن تُفرض"، وهي من أعلام الدين الظاهرة، سُمِّيت بذلك؛ لأنهم كانوا يجلسون بين كل أربع يستريحون، وقيل: هي مشتقة من المراوحة، وهي: التكرار في الفعل".

<<  <  ج: ص:  >  >>