للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المالكية (١) قالوا: إنَّها سنة مؤكدة، واستدلوا على مذهبهم بهذا الدليل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا" (٢).

الشافعية (٣) قالوا: إنَّها سنة، واستدلوا على ذلك بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُوجب أو يَفرض على أمته إلا الصلوات الخمس، كما جاء ذلك صريحًا في عدة أحاديث منها على سبيل المثال.

ما رُوي عن طَلْحَةَ بْن عُبَيْد اللَّهِ، أنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلَامٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ". فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غيْرُهَا؟ قَالَ: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَصِيَامُ رَمَضَانَ". قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ". قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لَا، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ". قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ" (٤).

فبَيَّن رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنَّ المفروض من الصلوات هي الصلوات الخمس، فلو كانت صلاة الوتر واجبة لَبَيَّن ذلك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.


(١) يُنْظَر: "الإشراف على نُكت مسائل الخلاف" للقاضي عبد الوهاب (١/ ٢٨٨)، حيث قال: "الوتر سُنة مؤكدة، وليس بواجب، خلافًا لأبي حنيفة". انظر: "التاج والإكليل" للمواق (٢/ ٣٨٤).
(٢) أخرجه أحمد في "المسند" (٩٧١٧)، وضعفه الألباني في "الإرواء" (٤١٧).
(٣) يُنْظَر: "فتح الوهاب" لزكريا الأنصاري (١/ ٦٦)، وفيه قال: "وأفضلها: "أي: الرواتب: "الوتر"؛ لخبر: "إنَّ اللَّهَ أَمَدُّكم بصلاةٍ خير لكم من حُمر النَّعَم، وهي الوتر"، رواه الترمذي والحاكم وصححه، وذكر أفضليته، وجعله قِسمًا منها". وانظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (٢/ ٢٧٨).
(٤) أخرجه البخاري (٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>