للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجهة مالك أنه قال: "إنَّه وَجد أهلَ المدينة على ذلك"، والمالكية يأخذون بأمرين: بعمل أهل المدينة (١)، وإجماع أهلها؛ لأنه حُجَّةٌ عندهم، وذلك مَحل نزاع، وهما مسألتان أُصُوليتان معروفتان (٢).

لكننا نقول في هذا المقام: إنَّ عمر -رضي اللَّه عنه- عندما جَمع الناس كانوا يصلون عشرين ركعة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: "اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي مِنْ أَصْحَابِي: أَبِي بَكْرِ وَعُمَرَ"، رواه الترمذي (٣)، وقال: "عَلَيْكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ" (٤).

وعمر -رضي اللَّه عنه- عندما جمع الناس على هذه الصلاة -وفي هذا العدد لم يُذكر أو يُنقل أنَّه خالفه أحدٌ من الصحابة- فلا شَكَّ أن ما حصل في زمن عمر -رضي اللَّه عنه-: إنما هو مُقَدَّمٌ على ما حصل بعده (٥).


(١) يُنْظَر: "شرح تنقيح الفصول" للقرافي (ص ٣٣٤) حيث قال: "وإجماع أهل المدينة عند مالكٍ فيما طريقه التوقيف حجة خلافًا للجميع. لنا قوله عليه السلام: "لا تَجتمع أُمَّتي على خطأ"، ومفهومه: أن بعض الأمة يجوز عليه الخطأ، وأهل المدينة بعض الأمة".
(٢) يُنْظَر: "الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي (١/ ٢٤٣)، حيث قال: "اتفق الأكثرون على أنَّ إجماع أهل المدينة وحدهم لا يكون حجة على من خالفهم في حالة انعقاد إجماعهم، خلافًا لمالك، فإنه قال: يكون حجة، ومن أصحابه مَن قال: إنما أراد بذلك ترجيح روايتهم على رواية غيرهم، ومنهم من قال: أراد به أن يكون إجماعهم أولى، ولا تمتنع مخالفته. ومنهم من قال: أراد بذلك أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. والمختار: مذهب الأكثرين، وذلك أن الأدلة الدالة على كون الإجماع حجة متناولة لأهل المدينة، والخارج عن أهلها وبدونه لا يكونون كل الأمة ولا كل المؤمنين، فلا يكون إجماعهم حجة".
(٣) أخرجه أحمد في "المسند" (٢٣٢٤٥)، وحسنه الألباني في "المشكاة" (٦٠٦١).
(٤) أخرجه أبو داود (٤٦٠٧)، وصححه الألباني في "المشكاة" (١٦٥).
(٥) قال الكاساني: "والصحيح: قول العامة" لما روي أن عمر -رضي اللَّه عنه- جمع أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في شهر رمضان على أُبَي بن كعب، فصلى بهم في كل ليلة عشرين ركعة، ولم يُنكر أحد عليه، فيكون إجماعًا منهم على ذلك"، انظر: "بدائع الصنائع" (١/ ٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>