للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مع الذين اتقوا والذين هم مُحسنون، وما خَذَل اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- المؤمنين في موقف من المواقف إذا ما عادوا إليه، أو إذا ما نَصروا دينه، فهو دائمًا مع المؤمنين: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١)} [غافر: ٥١].

وقد نصر المؤمنين ببدرٍ وكانوا أذلة، عددهم قليل، وعدتهم لا تساوي شيئًا بالنسبة لأعدائهم، كذلك نصرهم -أيضًا- يوم أُحُدْ، ولمَّا خالف الرماة توجيهَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ ماذا حلَّ بهم؟ ولما أُعجب المؤمنون بكثرتهم يوم حنين؛ ماذا حلَّ بهم؟

قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥)} [التوبة: ٢٥].

فكلما عاد المسلمون إلى اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فهو معهم ولا يَخذلهم؛ لأن هؤلاء هم عيال اللَّه، فلا يَتركهم لأعدائهم، ولكنهم إذا خرجوا سَلَّط اللَّه عليهم أعداء من أنفسهم، وقَلُّوا -أيضًا- في أعين أعدائهم.

وخير مثال نتخذه على ذلك ما حصل للمسلمين يوم وقعة التتار لما كان المسلمون في خلافٍ يتطاحنون، وأعدائهم يُطَوِّقون عليهم عاصمتهم بغداد؛ دار السلام، ويأتونهم من كل حدبٍ (١) وصوب (٢)، والتتار مُشتهرون بالقوة والبأس الشديد، حتى إن ابن الأثير وهو يصفهم كان يقول: "لا يمرُّون على أمةٍ إلا حولوها رميمًا، ولا على شعبٍ إلا جعلوه ركامًا" (٣)؛ فأوقعوا بالمسلمين تلك الضربة التي سالت فيها الدماء.

فلما قام رجلٌ صالح هو شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذلك، وأخذ يسعى في توحيد كلمة المسلمين، فيتردد بين مصر والشام؛ ليربط المسلمين


(١) الحدب: ما ارتفع من الأرض. انظر: "الصحاح" للجوهري (١/ ١٠٨).
(٢) الصوب: نزول المطر. انظر: "الصحاح" للجوهري (١/ ١٦٤).
(٣) يُنْظَر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (١٠/ ٣٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>