للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلهم في سياجٍ (١) واحد وتحت دولة واحدة وكلمة واحدة هي كلمة التوحيد، زالت الخلافات وكلهم انضووا (٢) تحت لواء لا إله إلا اللَّه، وراجعوا أنفسهم وأصلحوا عيوبهم وأزالوا ما كان ينتشر بينهم من مُنكرات، فماذا حصل؟

عاد التتار بقوتهم، ولكن الحال قد تَغَيَّر؛ لأن كلمة المسلمين قد اجتمعت، واللَّه حَذَّرنا من الفرقة والاختلاف: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: ١٠٥].

ونهانا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عن التنازع: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦)} [الأنفال: ٤٦].

وظلَّ شيخُ الإسلام ابن تيمية يتردد بين الجنود، ويَحُثهم على الجهاد، وكان -رَحِمَهُ اللَّهُ- يجاهد بلسانه وبقلمه، ويحمل السيف أيضًا، وكان يقول للمؤمنين: "واللَّهِ لَتُنصَرُنَّ".

فيقولون له: ألَا تقول: إن شاء اللَّه، فيقول: "أقولها تحقيقًا لا تعليقًا"؛ لأن إن شاء اللَّه تعليق، يَحصل أو لا يحصل، هو يقولها تحقيقًا؛ لأن كُلَّ أسباب الفشل والهزيمة قد زالت، وحلَّ محلها أسباب النصر والقوة، ولذلك كان قد أيقن -رحمه اللَّه تعالى- أن الأمر سيُحسم.

فانقض المسلمون على أعدائهم، وأذاقوهم كأس الموت كما أذاقوه لهم من قبل، وكانوا يربطون أنفسهم بالسلاسل، ويسقطون في الأنهار؛ فامتلأت جثثهم الصحراء والبادية؛ لأن المسلمين عادوا إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. فهذا موقف عظيم، وينبغي للمسلمين في كل حالٍ من الأحوال أن


(١) السياج: ما أُحيط به على الكَرْم ونحوه من شَوك ونحوه، والجمع: أسوجة وسوج. انظر: "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" (١/ ٢٩٣).
(٢) انضووا: مالوا، يقال: ضوى إليه ضيًّا وضويًا وانضوى إليه. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (٣/ ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>