السير فيه، وبين -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن مَن اتَّبع هداية اللَّه فإن مصيره الفوز والفلاح، والمعيشة الدائمة والرغد، وأن من سلك غير ذلك فإن مصيره إلى التضييق عليه في هذه الحياة الدنيا، كما في قوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {. . . فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦)} [طه: ١٢٣ - ١٢٦].
ولا شك أن ما يَنزل بالناس من جدب إنما هو بسبب المعاصي، وما ينزل بهم من حْير وبركة، إنما هو بسبب طاعة اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وقد أشار اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- إلى ذلك بقوله في سورة الأعراف: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦)} [الأعراف: ٩٦].
نعم، لو أن الناس استقاموا على الطريق السوي، وابتعدوا عن المعاصي وسلكوا طريق الهداية، فاللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- سيفتح عليهم من السماء بركات، وسيُنزل عليهم الخيرات، لكن المعاصي -كما هو معلوم- سبب في احتباس المطر، والتضييق على الناس، كما أنها سبب في كثير من الأمور التي تحل بالمسلمين (١).
إذًا طلب الاستسقاء إنما هو أمر مطلوب من المؤمنين، لأن المطر إذا توقف فترة من الزمن، وانحبس عن الناس، فإنهم يصبحون بأمسِّ الحاجة إلى رحمة اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥)} [فاطر: ١٥].
والناس في حاجة دائمة إلى رحمة اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وإلى عفوه ومغفرته، ولذلك عليهم أن يرجعوا إلى اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
(١) بوب الإمام البخاري في "صحيحه": باب (انتقام الرب -عَزَّ وَجَلَّ- من خلقه بالقحط إذا انتُهِكَتْ محارمُه).