للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه: أنَّه شُكِيَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" (١).

إذًا؛ هذا الذي غسل وجهه ولديه ثم مسح رأسه وغسل رجليه، وشكّ في مسح الرأس، عليه أن يطرحَ الشك ودبني على اليمين، أي: يلغي مسح الرأس ويمسح عليه من جديد، ثم بعد ذلك يغسل الرجلين.

أيضًا: لو أنَّ إنسانًا توضأ للظهر وكان متيقِّنًا أنه توضأ، خرج من بيته وهو متوضئٌ للظهر، ثم بدأ الشكّ يدبّ إليه، وأخذ الشيطان يوسوس له، هل توضأ أو لا؟ هو متيقن أنه تطهر، لكنه يشك في الحدث فماذا يفعل؟

الصحيح: أنه يبقى على طهارته، لأنَّ [اليقين لا يزول بالشك] "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" (٢)، وليس هذا الحديث على منطوقه فقط، يعني قوله: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا"، فقد يخرج منه شيءٌ لا يسمع صوته، ولا يشمُّ له رائحة، فليس معنى هذا أنه على إطلاقه، وإنما هذا بالنسبة للغالب، وإلا فقد يخرج منه بولٌ أو غائطٌ، ولكنَّ الحديث نبّه على هذه الأشياء ترفُّعًا عن ذكر هذه الأمور.

وأيضًا لو حصل العكسُ بأنْ تيقَّن من الحدث وشكَّ في الطهارة فهو غير متطهرٌ، ولم يخالفْ في ذلك إلا المالكية؛ لأنَّ المالكية عندهم قاعدة معروفة: (الشك في الشرط مانع من تحقق المشروط) (٣).

أي: إذا شككت في الشرط فمعنى هذا أنك شككت في المشروط فينبغي أن تبطله، هذه رواية في مذهب المالكية، ولهم رواية أُخرى (٤)،


(١) أخرجه البخاري (١٣٧)، ومسلم (٣٦١/ ٩٨) عن عبد اللِّه بن زيد.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) قال الونشريسي في "إيضاح المسالك" (ص: ٧٨): قاعدة: الشك في الشرط مانع من ترتب المشروط: ومن ثم وجوب الوضوء على من تيقن الطهارة وشك في الحدث، وامتنع القصاص من الأب في قتل ابنه. ويُنظر: "الفروق" للقرافي (٤/ ٢٧٦).
(٤) قال القرافي "الفروق" وهوامشه (١/ ١١١): كل مشكوك فيه ملغى في الشريعة، فإذا=

<<  <  ج: ص:  >  >>