للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الحديث الصحيح الذي رُوِيَ عن طريق عليٍّ (١) وعائشة (٢) أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: "رُفِعَ القلم عن ثلاثةٍ عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يبلغ". بروايات متعددة فيها تقديمٌ وتأخير.

من الثلاثة الذين خفف عنهم اثنان؛ وهما: المجنون والصغير، خُفِّف عنهما بمعنى: أنه وضع عنهما التكليف، والعلة في ذلك: وجود نقصٍ فيهما، فالمجنون ذهب عقله، فكيف يُنَزّل منزلة العاقل، والصغيرُ لم يصل سنَّ البلوغ الذي يُصبحُ فيه مكلَّفًا يُدرك ما يدركه الكبير.

ولا يَرِدُ على هذا اعتراض قضية غير المرشد وما يتعلق بالحجر عليه، فإنه يحجر على الصغير وعلى السفيه أيضًا، والسفيه قد يكون كبيرًا، قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ} [النساء: ٥]، لكنَّ السفيه إنما هو سفيهٌ فيما يتعلق بالمال، وأعتقد أنَّ كل واحد منا في حياته مرَّ به من الناس من يسرف في إنفاق الأموال، فتجد الإنسان في سن الثلاثين والأربعين والخمسين وينفق كل الذي في جيبه سرفًا، وقد يكون هو وأولاده بحاجةٍ إلى هذا المال، لكنه تعود على الإسراف، وعلى هذا فالمسرف الذي يفرِّط في المال إنما يُحْجَرُ عليه ولا يمنعه كبر السن عن الحجر عليه، فإذا عاد إلى رُشده وعقله يُرفَعُ الحجر عليه، لكنَّ الصغير والمجنون رُفع عنهما التكليف، ولذلك لو كلِّف الصغير والمجنون لكان ذلك خلافَ حديثِ الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "رُفع القلم عن


(١) أخرجه أبو داود (٤٤٠١)، وغيره عن ابن عباس، قال: مر على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بمعنى عثمان، قال: أوَما تذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رفع القلم عن ثلاثة، عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم"، قال: صدقت، قال: فخلى عنها. وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٩٧).
(٢) أخرجه أبو داود (٤٣٩٨)، وغيره عن عائشة -رضي الله عنها-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر". وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>