وأقرب الحالات التي يكون فيها المرء قريبًا من ربه عندما يكون في الصلاة، وأقرب ما يكون من ربه وهو ساجد.
وحالة السُّجُود فيها خضوعٌ؛ إذ إنَّ أشرفَ جُزْءٍ في الإنسان إنما هو وجهه، فعندما تضع جبهتك وأنفك على الأرض، فَهَذا هو غاية الذُّلِّ، وغاية الانقياد، وغاية الطاعة للَّه سُبحانه وتعالى، والتذلل والانطراح بين يديه، والتسليم له سُبحانه وتعالى، والاستجابة له سُبحانه وتعالى.
فأنت في هذه الحالة التي وضعتَ أشرف جزءٍ في بدنك على الأرض تكون حَريًّا إذا صدقت في عملك، وأخلصت نيتك للَّه سُبحانه وتعالى أن تكون قريبًا من اللَّه سُبحانه وتعالى، وإذا كنت صادقًا في قُربك من اللَّه سُبحانه وتعالى، فاللَّه سُبحانه وتعالى سَيَتوب عليك، وسيُجَازيك أعظمَ الجزاء.
وأمَّا مَا جَاء في قصَّه يوسف -عليه السلام-: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}[يوسف: ١٠٠]، فقَدْ أجَاب العلماء عن ذلك، وهُوَ أنَّ ذلك ربما كان جائزًا في شريعتهم، وَتَأوَّلوا السُّجُود (١).
أمَّا السُّجُودُ، فإنَّه لا يجوز لمُسْلِمٍ مهما كان، فلا يُسْجَد إلا للَّه سُبحانه وتعالى، ولا يَضَع جبهتَه على الأرض إلا لخالق هذا الكون ومدبِّره الذي أنعم عليه، وتفضَّل عليه بكل النعم والإحسان.
والنوع الذي نتعرض له بالحديث هنا هو سجود التلاوة؛ وسجود التلاوة يكون عندما تمرُّ بآيةٍ فيها سجدة، ولعظم هذه التلاوات التي فيها سجدة نجد أن المؤمن يسجد للَّه سُبحانه وتعالى في صَلَاتِهِ، فعِنْدَما يَكُونُ الإمامُ قارئًا في الصلاة، وَيَمرُّ بآية سجدة، فيُكبِّر ويسجد، فيسجد المسلمون معه، ولا يؤثر ذلك على الصلاة، لأن ذلك طاعةٌ للَّه سُبحانه وتعالى، وامتثالٌ لأمره، واقتداء بسنة وفعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
(١) أخرج الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٣٥٥)، عن قتادة: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}، "وكانت تحية مَنْ قبلكم، كان بها يحيي بعضهم بعضًا، فأعطى اللَّه هذه الأمة السلامَ، تحية أهل الجنة، كرامة من اللَّه تبارك وتعالى، عجلها لهم، ونعمة منه".